40 يوماً على إضراب المعلمين الفلسطينيين: هل تنجح مبادرات الحلّ؟

40 يوماً على إضراب المعلمين الفلسطينيين: هل تنجح المبادرات بحلّ الأزمة؟

18 مارس 2023
يرفض المعلمون الفلسطينيون محاولات إرباك صفوفهم والمماطلة في تنفيذ مطالبهم (العربي الجديد)
+ الخط -

أربعون يوماً مرت ولم تجد بعد أزمة إضراب المعلمين الفلسطينيين في المدارس الحكومية في الضفة الغربية طريقها للحل، بل أخذت خلال الأسبوع الماضي في التصاعد بعد أن وصل الأمر إلى المحكمة الإدارية بأسماء 272 معلماً، في قضية مرفوعة من النيابة العامة باسم وزير التربية والتعليم، وكذلك بما يقول حراك المعلمين الموحد 2022 في بيانه الأربعاء إنها بيانات تحوي تهديداً للمعلمين.
ومع عودة الحديث عن جولة جديدة من الجهود والمؤشرات الإيجابية على انتظام العملية التعليمية بداية الأسبوع الجاري، كما صرح محمد عواد الوكيل المساعد في وزارة التربية لإذاعة صوت فلسطين الرسمية، حاول "العربي الجديد" استطلاع المشهد، من داخل حراك المعلمين الذي بات صاحب التأثير الكبير في ظل تراجع دور اتحاد المعلمين، ومن داخل لجنة الوساطة في أزمة المعلمين التي استطاعت العام الماضي إنهاء أزمة شبيهة باتفاق على مبادرتها مع كافة الأطراف.
فقد أمهل حراك المعلمين في بيانه الصادر الثلاثاء الماضي 24 ساعة لإلغاء كافة العقوبات التي صدرت بحق المعلمين والمعلمات، كفرصة أخيرة لإنعاش مبادرة لجنة الوساطة وتنفيذ بنودها، لكنه لم يعلن خطوات أخرى وأكد في بيانه الأربعاء (أي بعد 24 ساعة) تواصل جهات معه لإتاحة الفرصة لمبادرات في لمساتها الأخيرة، لكنها لا تحقق بحسب الحراك الحد الأدنى المطلوب، رافضاً إياها.

من المتوقع أن يعقد المجلس المركزي لاتحاد المعلمين يوم الثلاثاء المقبل 21 مارس/ آذار، لإقرار مراجعة وتعديل أنظمة الاتحاد

يصف مصدر من الحراك في حديثه مع "العربي الجديد" أن ما يجري محاولات لإرباك المعلمين بمبادرات تسويفية حسب وصفه، هدفها فقط كسب الوقت، مؤكداً أنهم ليسوا بحاجة إلى مبادرات، بل تحقيق المطالب، ورابطاً أي قناة تفتح للحوار بتنفيذ ما وقعت عليه الحكومة الفلسطينية العام الماضي، في إشارة إلى بنود مبادرة لجنة الوساطة التي وافقت عليها الحكومة.
يطالب حراك المعلمين بتشكيل نقابة ديمقراطية للمعلمين، وإقرار قانون مهننة التعليم، وصرف علاوة 15% على الراتب وردت في الاتفاق العام الماضي، إضافة إلى صرف المرتبات كاملة (تصرف منذ أكثر من عام بنسبة تقارب 80% بسبب الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية).
قررت الحكومة في السادس من الشهر الجاري صرف 5% من العلاوة للمعلمين والمهندسين والعاملين في المهن الصحية، و10% للأطباء، على أن يصرف الباقي عند توفر الأموال، وأعادت توقيع اتفاقات في التاسع من مارس/ آذار الجاري مع النقابات، بما فيها اتحاد المعلمين، على ذلك، إضافة إلى تثبيت النسبة المتبقية على قسيمة الراتب، لكن على أن تصرف عند وجود الأموال، دون مواعيد محددة. 
لكن ومع استمرار الأزمة ورفض المعلمين للاتفاق ظهرت مقترحات لتعهد حكومي بتجزئة النسبة على عدة أشهر.
يؤكد المصدر في حراك المعلمين والذي فضل عدم ذكر اسمه أن المبادرات لا تعنيهم إن كانت في معزل عن الاتفاق الموقع العام الماضي وهي لا تهدف برأيهم إلا للتسويف، كما يرفض الحراك المقترحات بتجزئة تنفيذ ودفع تلك العلاوة.
في الجهة الأخرى يؤكد عضو لجنة مبادرة الوساطة عمر عساف لـ"العربي الجديد" أن جهوداً من أعضاء المبادرة ما زالت تبذل للخروج من المأزق، آملاً أن تتوج بالنجاح، ومضيفاً أن يومي الأربعاء والخميس شهدا تواصلاً من أعضاء المبادرة مع كل الجهات، بما فيها المعلمون والحكومة، ووزارة التربية والتعليم، ومكلفين من الرئيس محمود عباس لمتابعة الملف.
وأكد عساف أن مقترحات تطرح، آملاً في أن تؤدي إلى انتظام الدوام الأحد المقبل (يوم الدوام الأول في الأسبوع)، بعد إعلان التوصل لتوضيحات مقبولة على الجميع حول بنود اتفاق العام الماضي والمبادرة، وليس اتفاقاً جديداً.
لكن عساف يقول إن الخروج من المأزق لا يتم إلا بالاستماع لصوت العقل، باعتبار أن التعليم قضية وطنية تهم الجميع، رافضاً أي تعامل عبر الأمن، أو التهديد، أو عبر المحاكم في إشارة إلى القضية التي قررت فيها المحكمة الإدارية وقف الإضراب، ودون أية إجراءات قمعية، مشيراً إلى أن المعلمين يحتاجون للشعور بالطمأنينة كي يعطوا الطلاب حقهم.
واعتبر عساف أن ما جرى خلال الفترة السابقة، وخاصة المحاكمة، يشير إلى أن السلطة الفلسطينية لم تستخلص العبر، فهي برأيه جربت خلال الأعوام السابقة الأمن والمحاكم، ولكن في كل مرة تعود الأزمة للانفجار.

التمثيل النقابي للمعلمين

المعضلة الأخرى تتعلق بالتمثيل النقابي للمعلمين رسمياً، إذ يمثلهم الاتحاد العام للمعلمين، وهو من المنظمات الشعبية التابعة لمنظمة التحرير، يقول المعلمون المضربون إن تشكيل لجانه لا يتم وفق عملية انتخابات ديمقراطية، بل بتوازنات سياسية لا تمثلهم، ولذا لا يعترفون به ممثلاً لهم.
هذا الوضع أدى في عام 2016 إلى ظهور حراك المعلمين، الذي خاض إضراباً طويلاً، أدى إلى استقالة الأمين العام للاتحاد السابق، لكن كما يقول المعلمون المضربون دون تغيير جوهري على آلية تشكيل قيادة الاتحاد.
عاد مسمى الحراك العام الماضي، وهو الذي يخوض الإضراب الحالي كذلك، وأدى الوضع الحالي إلى انقسام المعلمين بين منخرطين في الإضراب، وآخرين ملتزمين بالدوام وفق رؤية الاتحاد.

يؤكد المصدر من الحراك لـ"العربي الجديد" أن المشكلة الحالية لا تتعلق بشخوص، أو بشخص أمين عام الاتحاد، إنما المعضلة كما قال في النظام الداخلي وطريقة الترشح والانتخاب، وأن مطلب الحراك تشكيل نقابة حرة نزيهة غير مشروطة الترشح والانتخاب.
في هذا الإطار، يقول المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك لـ"العربي الجديد"، وهو أحد أعضاء لجنة مبادرة الوساطة المكونة من الهيئة المستقلة وعدد من المؤسسات الأهلية والتربوية والشخصيات الوطنية، إن تحركاتهم لم تتوقف، وإن المرجعية للحل ما زالت مبادرتهم التي استطاعت إنهاء أزمة الإضراب العام الماضي، لكن من الممكن عمل استدراكات وتوضيحات.
ويؤكد دويك أن ما تسير به اللجنة وفق المبادرة في ملف "دمقرطة الاتحاد"، حيث نصّت المبادرة على تشكيل لجنة لمراجعة أنظمة الاتحاد بحيث تضمن وجود تمثيل للمعلمين واضح المعالم في إطار الاتحاد العام للمعلمين، وقد تشكلت فعلاً هذه اللجنة في شهر أغسطس/ آب الماضي ونشرت تصورها.
ويتابع دويك أنه من المتوقع الثلاثاء المقبل 21 مارس/ آذار الجاري انعقاد المجلس المركزي للاتحاد لإقرار مراجعة وتعديل أنظمة الاتحاد حسب التصور الذي تم نشرته المبادرة في أغسطس/ آب الماضي، وتحديد جدول زمني لانتخابات الاتحاد خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أشهر.
وإجابة عن  سؤال حول وجود ضمانة التنفيذ، وعدم المماطلة من الاتحاد كما حصل العام الماضي حسب وصف دويك في مقابلات صحافية سابقة، قال "تلقينا ضمانات سياسية من الجهات الفلسطينية ذات العلاقة".

وكان اتحاد المعلمين قد أعلن الأربعاء الماضي عقد اجتماع قيادته التنفيذية، دون إعلان مزيد من التفاصيل، وقد ظهر في الاجتماع حضور كل من عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومسؤول الاتحادات والمنظمات الشعبية فيها، ومحمد المدني مفوض المنظمات الشعبية في حركة فتح، وعزام الأحمد عضو اللجنتين المركزية لفتح والتنفيذية لمنظمة التحرير.
يقول المصدر من الحراك، تعليقاً على هذه العملية: "لا نأمن جانب الاتحاد وما قام به محاولة بائسة لإعادة تجميع المعلمين حوله بأكاذيب جديدة تهدف لفك الإضراب".
وحول أثر استمرار الأزمة حذرت وزارة التربية والتعليم أكثر من مرة من التأثير على التعليم بشكل عام، وخصوصاً على امتحان الثانوية العامة، الذي قد تضطر الوزارة لتأجيل موعده.

المساهمون