الأردن.. قبل بو عزيزي ودون الربيع العربي

الأردن.. قبل بو عزيزي ودون الربيع العربي

16 ديسمبر 2014
الحراك الأردني في مرحلة خمول (GETTY)
+ الخط -

ظلماً يؤرخ لانطلاق الحراك الاحتجاجي الأردني، بمطلع يناير/ كانون الثاني، بعد أسبوعين من انطلاق الثورة التونسية، التي فجرها محمد بو عزيزي، عندما أضرم النار في جسده، ليصبح أيقونة للثورة، ولاحقاً أيقونة للربيع العربي، كون الربيع طرق نوافذ الأردن مراراً دون أن يدخله، ومن الظلم أيضاً أن ينكر التاريخ الاحتجاجي الأردني، أثر الثورة التونسية في نقله من مسار إلى أخر.
يذكر الأردنيون، جيداً، موجة الاحتجاجات العمالية العارمة التي انطلقت في العديد من القطاعات الحكومية والخاصة، مطلع العام 2010، مسجلة أكثر من 140 احتجاجا، حسب إحصائيات رسمية، وهي التي كان يقودها عمالٌ مقهورون يأملون بتحسين ظروف عملهم، ومعلمون يطالبون بحقهم في التنظيم النقابي، وعاطلون عن العمل يطالبون بتشغيلهم، وفقراء يحلمون بما يسد رمقهم.
يومها كانت المملكة على حافة بركان مهيأ للانفجار، لكن أحدا لم يشعل الفتيل، القوى السياسية منصرفة عن احتضان الحركة الاحتجاجية، والدولة العاجزة عن تلبية مطالب المحتجين لم تقمعهم بشكل فج، والمهم أن أياً من الغاضبين لم يقدم على إضرام النار في جسده في لحظة قهر يعجز فيها عن الاحتمال، غير أن الفتيل اشتعل في تونس وامتد لهيبه إلى الأردن.
شعر كل أردني مقهور أن بو عزيزي يمثله، وانتمى كل أردني هضمت حقوقه الأساسية، روحانياً، إلى الحراك التونسي، الذي بدأ مطالباً بالعدالة الاجتماعية ورفض الفساد، وانتهى للمطالبة بإسقاط النظام، الذي أسقط.
وأصبح السير على خطى بو عزيزي تهديداً يطلقه العمال في احتجاجاتهم، وأصبحت السفارة التونسية في عمّان محجا للأردنيين الغاضبين على واقعهم والمتضامنين مع الثورة البعيدة عنهم.
في الفترة الفاصلة بين إضرام بو عزيزي النار في جسده، ومطالبة التونسيين بإسقاط النظام، كانت الحالة الاحتجاجية الأردنية تراوح مكانها، لكن ومع أول صرخة بـ"الشعب يريد إسقاط النظام"، استفاقت قوى المعارضة الأردنية، على دوي الهتاف الذي وجد صداه لديها، مقدرة أن الوقت قد حان لتحقيق مطالبها السياسية التي صمتت عليها سنوات طويلة، والتي تمثلت بإصلاح النظام دون إسقاطه، وزاد في شجاعتها على الحركة أن شعوباً عربية تحركت في دول عدة، بالتزامن مع حركة الشعب التونسي.
تقدمت الأحزاب المعارضة، وسياسيون مستقلون، لاحتلال المشهد الاحتجاجي الأردني، محاولين استغلال الاحتجاج العمالي كرافعة لانطلاقتهم، دون أن يتمكنوا من ذلك، بعد أن اختار العمال الانزواء بعيداً خوفاً من أن تختلط مطالبهم العمالية بالمطالب السياسية التي لم يرفعوها يوماً، وبرز على سطح المشهد جيل من الشباب المتحمسين للثورات العربية، الراغبين في خوض التجربة ونقلها إلى مملكتهم، مستلهمين تكتيكات الثورة التونسية القائمة على زيادة بؤر الاحتجاج وتوسيع رقعتها، دون أن يرفعوا شعارها النهائي، مكتفين بشعار "خبز وحرية وعدالة اجتماعية"، وغيرها من الشعارات الاجتماعية.


كانت تلك نقطة التحول في الحراك الاحتجاجي الأردني، تحت تأثير الربيع العربي المنطلق من تونس، لتعم الاحتجاجات السياسية المطالبة بالإصلاح في المملكة، وترتفع وتيرتها، كلما سقط حاكم في دولة عربية، حتى أصبح إحصاء عدد الاحتجاجات مستحيلاً، واستحال إحصاء عدد الحركات الإصلاحية التي تشكلت بناءً على منطلقات حزبية، وسياسية، ونخبوية، وشبابية، جندية، وعشائرية، ومناطقية، وإقليمية، متفقة جميعها على ضرورة الإصلاح ومحاربة الفساد، ومختلفة فيما بينها على شكل الإصلاح المنشود، وطريقة تنفيذه.
وفي محاولة لمحاكاة دول الربيع العربي، نفذ ائتلاف شبابي مدعوم من أحزاب المعارضة، في 24 مارس/ آذار 2011، اعتصاماً مفتوحاً في ميدان جمال عبد الناصر، أهم ميادين العاصمة عمّان، ونصبوا خيامهم فيه ورفعوا شعاراتهم، واحتشدت كاميرات وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية لرصدهم، ورصد تعامل الدولة معهم، صمد الاعتصام ليلة واحدة، وانتهى بفضه بخشونة من قبل قوات الأمن المدعومة بمناهضي الاعتصام ممن بات يطلق عليهم "البلطجية"، وهو الاعتصام الأول والأخير في موجة الاحتجاجات التي استمرت حتى نهاية العام 2012، دون أن تحقق أياً من أهدافها.
يوماً بعد يوم تساقطت الحركات الإصلاحية، لأسباب داخلية وخارجية، فأنهكت الدولة قوى سياسية وشخصيات معارضة بحوارات وطنية للخروج بصيغة توافقية للإصلاح المنشود، دون أن تأخذ بها، وضحت بحكومة استجابة لمطالب المحتجين، وزرعت الفرقة بين القوى الإصلاحية عندما أعادت بث المخاوف الكامنة بين مكونات المجتمع الأردني، وأسعدها التناحر الذي دب بين القوى الإسلامية من جهة، واليسارية والقومية من جهة أخرى حول الثورة السورية، والذي تسبب في انهيار أطر اصلاحية جامعة.
وفي المعادلة الأهم .
شعار "الشعب يريد إصلاح النظام"، سقط في العديد من الاحتجاجات التي كانت تشهد صداماً بين المحتجين وقوات الأمن، واستبدل بالشعار المعتمد للربيع العربي" الشعب يريد إسقاط النظام"، وزاد عليه المحتجون بنقد غير مسبوق لملكهم، وصاغوا له أهزوجة شعبية بعنوان "علي بابا والأربعين حرامي"، وهو التصعيد الذي كان سبباً في مغادرة العديد من الحركات الإصلاحية للساحة الاحتجاجية، وتبرؤ الأحزاب السياسية من تلك الشعارات.
كانت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامية، الأطول نفساً في الشارع الاحتجاجي الأردني، وهي المدفوعة بنشوة الانجازات التي حققها نظراؤها في تونس ومصر، غير أن مغادرة غالبية المطالبين بالإصلاح للشارع، والانتكاسات التي حدثت في دول الربيع العربي، وتنامي خوف الشارع الأردني من أن ينتهي الحال به إلى نهاية مشابهة لما تعيشه سورية من اقتتال دموي، حد من فعاليتها في الشارع، وجعلها تلتحق بركب المغادرين للشارع رغم إصرارها على مطالبها بإصلاح النظام، دون العمل على تحقيق ذلك الإصلاح الذي رأته كما غيرها في الحد من صلاحيات الملك، وتعديل قانون الانتخاب بشكل يساهم في تحقيق أغلبية نيابية يناط بها تشكيل حكومة برلمانية، ومحاربة الفساد والفسادين، واسترجاع ثروات الوطن المنهوبة.
في نهاية 2012 وبعد موجة احتجاجية شعبية غير مسبوقة على قرار الحكومة الأردنية تحرير أسعار المحروقات، وصلت حد المطالبة بإسقاط النظام، انتهت قصة الحراك الأردني، أو فعاليته، وعاد الجميع إلى قواعدهم دون أن يحققوا مطالبهم، وأكثر من ذلك انشغلوا في خلافات داخلية وصلت حد التخوين والقطيعة، وكلّ منهم يعتبر اليوم أنه كان عراب الحراك ومحركه.