جرائم القتل تُقلق المجتمع الجزائريّ

جرائم القتل تُقلق المجتمع الجزائريّ

18 نوفمبر 2014
يصحو الجزائريّون وينامون على أخبار أشخاص قتلوا(فرانس برس)
+ الخط -


لم تعد حوادث الموت تشكّل صدمة للجزائريّين. فهم يصحون وينامون على أخبار أشخاص قضوا قتلاً أو دهساً أو غرقاً، أو حتى من شدّة الفرح في حفلات زفاف أو في مباريات كرة القدم مثلاً. لكن جرائم القتل المتزايدة، تبقى الأكثر إثارة للقلق في المجتمع الجزائري.
وكانت مدينة وهران في غرب الجزائر قد اهتزّت يوم عيد الأضحى الماضي، على خلفيّة جريمة قتل بشعة. فقد أقدم شاب في منطقة ميلينيوم التابعة لبلديّة بئر الجير، على قتل شقيقه بنحره بسكّين. فلقِيَ حتفه على الإثر. كذلك حاول ذبح زوجة أخيه، وهي ما زالت لحدّ الآن تصارع الموت في غرفة الإنعاش في مستشفى وهران الجامعي. أما الجاني، فطعن نفسه بعد ذلك طعنات قاتلة. وبحسب رواية الجيران، فإن الجريمة تعود إلى خلافات ما بين القاتل وعائلته لعدم موافقتها على زواجه من الشابة التي يحبّها.
في اليوم نفسه، اهتزّ حيّ الكومينال في منطقة أولاد رحمون في قسنطينة في شرق الجزائر، على خلفيّة جريمة قتل مشابهة للأولى ارتكبها ثلاثيني في حق شقيقه الذي لا يتعدى عشرين عاماً. وكان الشقيقان بحسب ما نقل الجيران، أيضاً، ينحران الأضحية. فنشب خلاف بينهما، دفع بالجاني إلى طعن شقيقه في عنقه ليسقط الأخير أرضاً مضرجاً بدمائه. فنقله الأول على جناح السرعة إلى مستشفى المدينة، مدعيّاً أنه أصابه عن طريق الخطأ.
وفي السنوات الأخيرة، انتشرت أخبار قتل لم يفرّق بين كبير وصغير. وأحياناً كثيرة، تُرتكب هذه الجرائم لأتفه الأسباب، لمجرّد غيرة أو حسد مثلاً أو تصفية حسابات قديمة أو خلاف قديم أو على إثر مشادات كلاميّة.‬‬‬‬‬‬
وتقف وراء جرائم القتل، تلك، أسباب عدة، منها دوافع الانتقام والخلافات العائليّة وقضايا الشرف، بالإضافة إلى طمس معالم بعض الجرائم عبر قتل الضحايا. كذلك يأتي القتل بدافع السرقة، وعلى خلفيّة أعمال عنف بين عصابات حول مناطق النفوذ.
ومن الأسباب وراء تلك الجرائم المتفشية بحسب ما تفيد خليّة الإعلام في المديريّة العامة للأمن الوطني، "الشجارات والاستفزازات التي غالباً ما تقع بين الجناة والضحايا، والتي تحتلّ المرتبة الأولى في دوافع هذه الجرائم". ففي أغسطس/آب 2014 مثلاً، تمكّنت الفرق الجنائيّة التابعة للشرطة الجزائريّة من معالجة 19 قضيّة جنائيّة من القتل العمد وحالات الضرب والجرح العمد الذي أدّى إلى الوفاة، على المستوى الوطني. ونجحت في توقيف 33 متورطاً.
وبحسب بيانات الحماية المدنيّة والمركز الوطني للوقاية والأمن، فإن عشر جرائم تُرتكب كل ساعة في الجزائر، أي بمعدّل 231 جريمة في اليوم الواحد. وتأتي هذه الإحصائيات مقلقة، إذ إن من بين المتورّطين في جرائم القتل، مع سبق الإصرار والترصّد ومع توفّر النيّة الإجراميّة للقتل، قصّراً تقلّ أعمارهم عن 18 عاماً من ذكور وإناث على حدّ سواء.

إلى ذلك، ثمّة أمور أسريّة تؤثر على المرء في طفولته، فتترك أثراً في سلوكه الإجرامي المستقبلي، بحسب علم النفس. ومنها، التفكّك الأسري أو غياب أحد الأبوَين من نطاق الأسرة أو غيابهما معاً، إما بسبب طلاق أو وفاة أو هجرة أو قضاء عقوبة في السجن.
عن تزايد العنف وتفشّي الجريمة، تقول الأخصائيّة النفسيّة، آسيا العرجي، إن "الجريمة بكل أنواعها موجودة منذ سنوات بعيدة. لكن الضوء لم يكن يسلّط عليها كما اليوم، وسط تنوّع وسائل الإعلام. حتى الصحف صارت تتفنّن في تغطية خبر الجريمة لتسوّق نفسها إلى القراء، بعدما كانت تعتمد على أخبار الإرهاب، في العقدَين الماضيَين".
وتلفت إلى أن "أشكال الجريمة شهدت تحوّلات مرعبة في الجزائر. تطالعنا في كل يوم أخبار صادمة ومقلقة عن جرائم قتل في العائلة الواحدة أحياناً. وقد ساهم عنف العشريّة السوداء، التي عشناها، في تزايدها"، بالإضافة إلى عوامل عدّة منها "العضويّة والاجتماعّية والاقتصاديّة والنفسيّة". تتابع: "وتساهم فيها التحوّلات الاقتصاديّة وازدياد الفقر والبطالة وضغوطات المشاكل الاجتماعيّة والتسرّب المدرسي والتفكك الأسري. كذلك، يتعلّق بعضها بالثأر".
وتلفت العرجي إلى أن "الأمر لا يتعلّق بأسباب بسيطة وهامشيّة، كالخلاف بين اثنَين حول موقف للسيارة أو حول سعر سلعة ما أو كنظرة مستفزّة مثلاً. فثمّة ارتباط بعدم صرامة القوانين وفاعليتها، وغياب رجال الأمن خصوصاً في الأحياء الشعبيّة الفقيرة حيث الجريمة تتفشّى بكل أنواعها". وترى ضرورة "دراسة المؤشرات التي تعكس واقع الإجرام والتعامل معها بالطرق العصريّة والمناهج العلاجيّة المناسبة".