دونغان كازاخستان... مسلمون صينيو الأصل يواجهون عنفاً إثنياً

دونغان كازاخستان... مسلمون صينيو الأصل يواجهون عنفاً إثنياً

07 ابريل 2020
منزل أحرقه العنف الشهر الماضي (فياشيسلاف أوزيليدكو/ فرانس برس)
+ الخط -
أعمال العنف التي سُجلت في جنوب كازاخستان، وهي أكبر جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في وسط آسيا، بحق المسلمين صينيي الأصل، أظهرت عداءً عرقياً كازاخياً ضدّ بقية الإثنيات

سجلت سلطات جمهورية كازاخستان أعمال عنف إثنية في قرى منطقة كورداي في مقاطعة جامبيل، جنوبي البلاد، في فبراير/ شباط الماضي، وأدت إلى مقتل 11 شخصاً وإصابة أكثر من 100 ونزوح آلاف آخرين من أبناء أقلية الدونغان المسلمة ذات الأصول الصينية، بالإضافة إلى حرق عشرات المنازل والسيارات.

والدونغان أقلية مسلمة صينية فرّت إلى آسيا الوسطى في القرن الـ19 بعد تمردها على سلالة تشينغ الصينية الحاكمة، وحافظت على تقاليدها وأزيائها وطبخاتها القومية. وفي الوقت الذي يقدّر فيه عدد الدونغان في كازاخستان بنحو 40 ألفاً، تعدّ الأحداث المأساوية في كورداي أسوأ أعمال عنف بحق أقلية إثنية في تاريخ كازاخستان الحديث من حيث عدد الضحايا والمصابين.



وفي هذا الإطار، يعتبر رئيس "المركز الأوراسي للتحليل" في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، أنّ نطاق الحادثة يدل على ارتقاء العنف الإثني في كازاخستان إلى مستوى جديد، مرجحاً أن تكون أعمال العنف التي طاولت قرى ذات أغلبية دونغانية نتيجة لتساهل السلطات مع الجماعات القومية المتطرفة وأتباعها منذ العقد الأول من القرن الـ21 سياسة دمج الأقليات، ومحذراً من أنّ النزعة القومية باتت تتحول إلى عامل خطر جديد على الدولة. ويقول ميندكوفيتش لـ"العربي الجديد": "شهدت السنوات العشر الماضية مجموعة من حوادث عنف بحق الأقليات الإثنية لم تستهدف الدونغان فحسب، بل أيضاً الأتراك والأوزبك والإيغور. وتقف وراء هذه الاعتداءات جماعات قومية عدائية ازداد نشاطها في السنوات الخمس عشرة أو العشرين الماضية لاعتبارها أنّ تساهل السلطات معها بمثابة الضوء الأخضر لأعمالها".

ويشير إلى أنّ كيفية تعامل السلطات الكازاخية مع الحادثة الأخيرة تثير مجموعات من التساؤلات، مضيفاً: "أفرجت الشرطة عن أغلبية الموقوفين في موقع أعمال الشغب في ظرف 24 ساعة من دون أيّ أسباب واضحة، ولم تتوافر معلومات عن إجراء أيّ تحريات بحق المحرضين ومثيري الحالة الهستيرية على الإنترنت، وإلى حين ورود أنباء عن فرار آلاف اللاجئين إلى جمهورية قرغيزستان المجاورة، سعت سلطات جامبيل إلى تقديم الواقعة على أنّها شجار جماعي. صحيح أنّه جرت إقالة عدد من المسؤولين المحليين، لكنّ المشكلة أعمق من سوء أداء موظفين بعينهم".

وفي السياق نفسه، يتابع: "في ظروف احتدام الخلاف بين جهاز الدولة والجاليات الإثنية، يصبح القوميون الكازاخ أكبر الرابحين، وينشطون في الترويج لأيديولوجيتهم للسلطات المحلية والمجتمع. يعتبر قسم من الموظفين الحكوميين الجماعات القومية أداة إضافية للضغط على الأقليات، بل يحفزون نشاطها أيضاً".

مع ذلك، يقرّ ميندكوفيتش بوجود مشاكل فعلية متعلقة بالجاليات الدونغانية والكردية والأوزبكية والتركية، جنوبي كازاخستان، ويقول: "في أحيان كثيرة تقطن الأقليات في قرى منفصلة وجيوب كاملة تبلغ نسبتهم فيها 80 في المائة فأكثر، وتتحدث لغاتها الخاصة وتزداد فيها حصة اقتصاد الظل، وانعدام الثقة بالسلطة، وهذه أعباء لا مفرّ منها وناتجة من ضعف اندماج المجموعات الإثنية في المجتمع".

وعن أسباب فشل السلطة المركزية في استيعاب الأقليات، يقول: "تسعى السلطات منذ ما لا يقل عن 20 عاماً لدمج هذه الأقليات من طريق الترويج للغة الدولة، لكنّ هذه السياسات لم تفلح، ويعود ذلك إلى مشاكل عميقة تواجهها كازاخستان، إذ يعمل غالبية سكان القرى الإثنية في الزراعة والتجارة ويعيشون في مربع: الحقل - السوق - المدرسة - المنزل، فلا يحتاجون إلى اللغة الكازاخية، واحتكاكهم بالدولة نادر جداً".

وعلى الرغم من ذلك، تسعى الدولة الكازاخية إلى التحقيق في واقعة العنف الأخيرة قبل تكرارها وتحولها إلى نزاع إثني متكامل الأركان، إذ أعلنت وزارة الداخلية استجواب المئات والتحقيق في نحو 90 قضية على خلفية الأحداث الدموية في القرى الدونغانية ليلة 8 فبراير/ شباط الماضي.



لكنّ ميندكوفيتش يعتبر أنّ معاقبة المدبرين بعينهم لأعمال العنف في كورداي لن تكون كافية لاحتواء الأزمة، داعياً الدولة الكازاخية إلى إعادة النظر في علاقتها مع القوميين عموماً، والتوقف عن مغازلة أيديولوجيتهم، والكفّ عن الاعتماد عليهم في الترويج للسياسات اللغوية.

وفي الوقت الذي لم يُكشَف فيه عن عدد الموقوفين على ذمة التحقيق في الواقعة، ما زالت السلطات الكازاخية متمسكة بروايتها التي تشير إلى أنّ النزاع الإثني سبقته واقعتان على الطريق، أولاهما نتيجة لخلاف بسبب أولوية المرور بين سائقين، والثانية من جراء اعتداء سائق وأقاربه على أفراد الشرطة.