نقاب جامعة القاهرة... موجة جدال وغضب حول قرار المنع

نقاب جامعة القاهرة... موجة جدال وغضب حول قرار المنع

11 فبراير 2020
قرار يؤثر بمسيرة الطالبات المنتقبات العلمية (فرانس برس)
+ الخط -

معركة حريات شخصية تخوضها المنتقبات في مصر منذ سنوات، إذ جدد القضاء دعمه لقرار من جامعة القاهرة منعهن من ارتداء النقاب، مع ما في ذلك من قمع لحريتهن الشخصية قبل الحديث عن أيّ صفة دينية للزيّ.

جدد قرار المحكمة الإدارية المصرية العليا، الصادر أخيراً، بمنع النقاب في جامعة "القاهرة" الجدال بشأنه. وبرزت آراء مختلفة، منها ما هو مرحب، وأكثرها شاجب، وخصوصاً أنّ في القرار تعدياً على الحريات الشخصية، سواء بين علماء الدين وعضوات هيئة التدريس، أو على امتداد شرائح كثيرة من المصريين المهتمين بهذا الملف. ويعود الأمر إلى بداية صدور قرار الرئيس السابق لجامعة القاهرة، الدكتور جابر نصار عام 2016، بمنع ارتداء النقاب في أثناء العمل، داخل كليات جامعة "القاهرة" والمعاهد التابعة لها، ومستشفيات الجامعة والوحدات العلاجية المرتبطة بها.

توالت فصول القصة بين عدد من الدوائر القضائية التي تبناها أربعة محامين بتوكيل رسمي من قبل 85 فتاة منتقبة، بمقاضاة وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، أشرف الشيحي، ورئيس الجامعة السابق لإلغاء القرار، باعتباره مخالفة دستورية وتعدياً على الحرية الشخصية، لتأتي الخاتمة من قبل المحكمة الإدارية العليا بالحكم النهائي برفض الدعوى وتأييد قرار رئيس الجامعة، إذ أكدت المحكمة أنّ قرار جامعة القاهرة ليس مخالفاً للشريعة الإسلامية وحرية العقيدة، مشيرة إلى أنّ المحكمة الدستورية العليا انتهت في قضائها إلى أنّ زيّ المرأة يخرج عن الأمور التعبدية، وأنّ لولي الأمر السلطة الكاملة في تحديد رداء المرأة، وأنّ تنظيم جهة الإدارة للزيّ لا يخالف حرية العقيدة، بل يدخل في دائرة التنظيم المباح والجرائم المتكررة التي يجري ارتكابها من وراء نقاب، واستخدامه كساتر لتنفيذ مخططات إجرامية كثيرة.

ولم يكن قرار الدكتور جابر نصار أول قرارات جامعة القاهرة في هذا الشأن، فقد سبقه قرار في 2010، بمنع دخول المنتقبات وعضوات هيئات التدريس إلى حرم الجامعة أو الدخول إلى قاعات المحاضرات أو الامتحانات أو الإقامة في المدن الجامعية، وهو الأمر نفسه الذي انتهجته إدارة "الجامعة الأميركية في القاهرة" بمنع الطالبات وعضوات هيئة التدريس المنتقبات من الدخول إلى الجامعة، وطبقه أيضاً عدد من الجامعات المصرية في الوجه البحري.

حق ارتداء الزيّ المناسب حرية شخصية (فردريك سلطان/ getty) 


من جهتهن، تقول المنتقبات اللواتي رفعن الدعوى القضائية، إنّ القرار يتعارض مع مواد صريحة في الدستور المصري، من بينها المادة 2 التي تنص على أنّ الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، والمادة 9 التي تنص على أن تلتزم الدولة تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين من دون تمييز، والمادة 11 التي تنص على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً صادقاً في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون، وتكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية من دون تمييز ضدها.

وتعتبر سارة علي، التي تحمل ماجستير من جامعة "القاهرة" وهي منتقبة، أنّ القرار "مسيّس لكونه يتماشى مع خطة الحكومة في حربها على المنتقبات والزيّ الإسلامي الشرعي، في الوقت الذي تطلق فيه العنان للمتبرجات بالزيّ كيفما أردن، سواء داخل الحرم الجامعي أو في الشارع، ووصل الأمر إلى حدّ العريّ". وتؤكد أنّ "النقاب ليست فيه أزمة أو مشكلة داخل الجامعة وفي العمل"، أي أنّه لا يعرقل عمل المرأة: "هناك منتقبات يعملن بعيداً عن الطلاب شملهن القرار، وهو ما يظلمهن، كذلك فإنّ من الممكن أن يسبّب مشاكل عائلية ضخمة، في ظل إصرار الزوج على عمل زوجته منتقبة، وأمام الزوجة خياران كلاهما مرّ: إما دفعها إلى ترك العمل، أو خلع النقاب".



سادت حالة من القلق والخوف الشديدين، بين عدد من طالبات جامعة القاهرة المنتقبات، تحسباً لتعميم قرار منع ارتداء النقاب عليهن، بعد منع السيدات من أعضاء هيئة التدريس المنتقبات من إلقاء المحاضرات أو الدروس العلمية بقرار من المحكمة، وأعربن عن استيائهن من تطبيق القرار. تعتبر الطالبات أنّ ارتداء النقاب حرية شخصية، إذ تصف الطالبة، سارة ممدوح، قرار المحكمة بأنّه "غلط ويتماشى مع اتجاه الدولة في منع كلّ ما هو إسلامي". وترى الطالبة، أسماء رمضان، أنّ ارتداء النقاب "حرية شخصية مثل أيّ زيّ آخر داخل الجامعة. فإذا كان من حق السيدة عضوة هيئة التدريس أو الطالبة ارتداء البنطلون (السروال) والملابس الشفافة، فمن حق غيرهما أن ترتدي النقاب. رفض مثل هذه الحرية الشخصية ظلم يعيد الاحتقان والتفرقة العنصرية بين المنتقبات وغيرهن". بدورها، تطالب الطالبة المنتقبة، سلمى محمود، جميع السيدات في هيئة التدريس، والطالبات، بعدم التنازل عن حقوقهن في ارتداء النقاب، وعدم الاعتداد بتلك القرارات القضائية، واصفة قرار المحكمة الأخير بـ"التمييزي لأنّه يمثل ردّة إلى العصور الجاهلية الأولى مجدداً، خصوصاً في اضطهاد المنتقبات ومنعهن من حقوقهن، لأنّ مستوى التعليم لا يتحدد بالنقاب". تضيف: "في حال الصمت عن تمرير هذا القرار، من دون أيّ اعتراض، ستبدأ الجامعة في تعميمه على جميع الطالبات" متسائلة: "أين احترام الحريات الشخصية، وأين عدم التمييز؟ الحكومة اعتادت إطلاق الشعارات الكاذبة من دون تطبيقها على أرض الواقع".

تقول الطالبة هدى عبد الفتاح، إنّ ارتداء النقاب حرية شخصية تماماً، ولا يجوز التقيّد بقرارات ظالمة. تضيف: "أنا كمنتقبة، أعامل الفتاة التي ترتدي البنطلون بشكل عادي جداً، فهذه حرية شخصية، ولسنا نحن من يحاسب الناس على أعمالهم، فمن حقّ كلّ سيدة اختيار ملابسها، سواء النقاب أو أيّ زي آخر". وتشير إلى أنّها لو كانت طالبة فاشلة، بسبب النقاب، لما تمكنت من الدراسة في أكبر جامعة في مصر ووصلت إلى هذا المستوى، نافية الفكرة التي تتردد عن إعاقة النقاب التواصل مع الطلاب.

تمييز بحق المنتقبات (كريس بورونكل/ فرانس برس) 


بدوره، يشير المهندس محمد الخولي، إلى أنّ النظام المصري اعتاد إثارة المشاكل في عدد من القضايا، من بينها ارتداء النقاب، وهو القرار الذي لا داعي له، لكون النقاب يعبّر ببساطة عن حرية شخصية، وقرار المحكمة الأخير أعاد الجدال مرة أخرى في تلك القضية. يتابع أنّه كان من المفترض بالمحكمة والنظام الاتجاه إلى حلّ عشرات المشاكل التي تواجه الشباب والمجتمع بدلاً من تلك القضايا المثيرة للجدال والنقاش بلا معنى. يتابع: "الطلاب يتواصلون جيداً مع المنتقبات في المحاضرات، ولا مشاكل أو شكاوى، فالطالبة المنتقبة ملزمة فقط بالكشف عن وجهها قبيل الدخول إلى لجنة الامتحان للسيدة المكلفة ذلك، للتأكد من هويتها، وغير ملزمة بخلعه في أثناء المحاضرة، فهي في الجامعة لتلقي العلم أولاً وأخيراً".

وكان استبعاد موظفة منتقبة تدعى منى القماح، من منصبها كمديرة، في قصر ثقافة كفر الدوار، بمحافظة البحيرة في سبتمبر/ أيلول الماضي، قد أثار جدالاً واسعاً في الشارع المصري والبرلمان، ووصل الأمر إلى محاسبة وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، بسبب التمييز والتنمر ضد موظفة كفوءة فقط بسبب نقابها، مع منعها من حقها في التدرج الوظيفي لتتولى إدارة قصر الثقافة. وتساءل البعض: "هل من شروط تولي هذا المنصب ارتداء زيّ معين؟ هل المنتقبات غير جديرات بهذه المناصب؟ أم هُن مواطنات درجة ثالثة؟".



في هذا الإطار، قال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النور (سلفي) في مجلس النواب (البرلمان) أحمد خليل خير الله، إنّ المنتقبات يعانين من حرب غير مبررة، مع أنّنا في دولة مسلمة وفي دولة الأزهر، مؤكداً أنّ "أعداد المنتقبات في زيادة داخل الشارع المصري بهدف التزام تعاليم الدين، ومنعهن من حقهن يخالف الدستور والقانون. فالعبرة في العمل يجب أن تكون بالكفاءة، وحرمان أيّ سيدة حقها الطبيعي تعدٍّ صارخ مرفوض". وأكد أنّ الجامعة يجب أن تسودها حريات الرأي والتعبير والحريات الأكاديمية، والجامعة تدار بطريقة مؤسسية، وقال إنّه ليس من حق أحد أن يفرض سيطرته ووصيته على أحد، لذلك لا يحق لأحد أن يمنع ارتداء النقاب، وإذا كانت هناك طالبة أو موظفة ترتدي النقاب، يحق لها دخول الجامعة.

دلالات

المساهمون