أبو بصير... 101 اعتقال لدى الاحتلال

أبو بصير... 101 اعتقال لدى الاحتلال

25 سبتمبر 2019
يعمل بائعاً للخضار (العربي الجديد)
+ الخط -
في أذهان الفلسطينيّين، الرقم 101 هو الذي يتّصلون به لطلب سيارات الإسعاف، في حال وقوع حادث سير أو غير ذلك. لكنّ الرقم مختلف بالنسبة إلى الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي أحمد نبهان صقر، الملقّب بـ "أبو بصير"، وهو من سكان مخيم عسكر للاجئين الفلسطينيين شرق مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية. الاعتقال الأخير الذي تعرّض له على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسبوع الماضي، يحمل الرقم 101 في سجله الطويل من الاعتقالات الذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة عقود.

لم يعد محمد صقر، نجل أبو بصير، يُحصي عدد المرات التي اعتقل فيها والده الستيني. يقول لـ "العربي الجديد": "منذ طفولتي ووالدي يغيب عنا فترات طويلة خلف قضبان سجون الاحتلال. لا أذكر أن عاماً مرّ من دون اعتقال. ولا أبالغ في هذا. المدة التي قضاها والدي في سجون الاحتلال أكثر من تلك التي عاشها معنا".

على مدى ثلاثة عقود، سرقت سجون الاحتلال أكثر من 20 عاماً من حياة أبو بصير على فترات متفاوتة. كان يُعتقل لأسابيع أو أشهر أو سنوات، وقد قضى معظمها في الاعتقال الإداري، وكان يلقّب بـ "عميد الأسرى الإداريين". وجاء اعتقال أبو بصير الأخير خلال إعداد "العربي الجديد" تقريراً عن عدد اعتقالاته المائة، ليحول اعتقاله الـ 101 دون استكمال الحديث معه. ويتساءل نجله محمد بمرارة عن مدة اعتقال والده هذه المرة، ويقول: "إن الله وحده يعلم كم سيغيب والدي هذه المرة، لكنني متأكد أنه مهما قصرت الفترة أو طالت، سيبقى صامداً في مواجهة محاولات الاحتلال كسر عزيمته".



وكان أبو بصير قد تحدث لـ "العربي الجديد" عن تجربته "المرّة"، هو الذي بدأت معاناته مع الاحتلال حين كان ما زال تلميذاً في المرحلة الثانوية أواخر سبعينيات القرن الماضي. حينها، أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي قراراً عقابياً بإبعاده وعدد من زملائه عن مدرسة قدري طوقان الثانوية في مدينة نابلس، التي كانوا يدرسون فيها، إلى مدرسة أخرى في إحدى القرى التي تبعد 15 كيلومتراً عن بيتع، بسبب دورهم الوطني في تحريض التلاميذ الطلاب على الاحتلال.

لكن تجربة أبو بصير مع سجون الاحتلال واعتقاله الأول كان عام 1988، أي بعد أشهر قليلة فقط على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، نظراً لدور أبو بصير المؤثر في تحريك الشارع وقيادة التظاهرات آنذاك. وتنقّل أبو بصير الذي ينتمي إلى حركة حماس بين مختلف السجون الإسرائيلية، وخضع لأكثر من 200 جلسة محاكمة طيلة فترات اعتقاله خلال العقود الثلاثين الماضية، كما تعرض إلى جلسات تحقيق قاسية في أقبية الاستخبارات الإسرائيلية التي استخدمت فيها أبشع أساليب التعذيب وأعنفها. وخلال تلك الاعتقالات، خاض عشرات الإضرابات عن الطعام، استمر بعضها أسابيع.

وعن أصعب مراحل الاعتقال، يقول أبو بصير إنها كثيرة. "السجن في حد ذاته صعب، والابتعاد عن الأهل صعب، عدا عن التحقيق والمحاكم. لكن الأصعب على الإطلاق هو التنقلات التي يجبر عليها الأسير من السجن الذي يقبع فيه إلى المحكمة والعكس"، لافتاً إلى أن هذه التنقلات تتم عبر حافلات مخصصة لنقل السجناء، وتفتقر إلى أبسط مقومات الراحة وتعرف بـ "البوسطة". ويمكث الأسير ما بين يومين وخمسة أيام على الرغم من أن المسافة لا تستغرق سوى بضع ساعات، "لكن الهدف تعذيب الأسرى".

وطوال عملية النقل بالبوسطة، يكون الأسير معصوب العينين واليدين، ولا يرى النور، وبالكاد يحصل على الطعام. وبعد إنزاله، يحتجز في مراكز تجميع تعرف بالمعبار لساعات أو ربما أيام، ثم يواصل الأسير رحلته المأساوية من دون أي اعتبار لعمره وصحته، بحسب "أبو بصير".



وتحدثت "العربي الجديد" إلى عدد من الأسرى المحررين الذين عايشوا أبو بصير خلال اعتقالاته الكثيرة. ويقول الأسير المحرر نواف العامر الذي شارك أبو بصير غرفة واحدة في السجن مرات كثيرة، لـ "العربي الجديد": "إنه شخصيّة محبوبة ومحل احترام وثقة"، واصفاً إياه بـ "الصخرة على الرغم من معاناتاه التي لا تلين أمام السجانين الإسرائيليين. بل كان نداً لهم، ومرحاً جداً مع الأسرى ويتولى خدمتهم بنفسه".

كما يشير العامر إلى أن أبو بصير، وهو تاجر خضار معروف على مستوى الضفة الغربية، كان يدير أعماله اليومية وكأنّه ليس معتقلاً. "في إحدى المرات، أكمل إجراءات خطوبة وزواج ابنه الكبير محمد وهو في السجن. كان يؤمن أن الحياة لا تتوقف، والاستسلام للاحتلال ليس حلاً".