أُسر عراقية تختار الانفصال

أُسر عراقية تختار الانفصال

18 سبتمبر 2019
عائلات في أحد المنتزهات (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
منذ نحو ثمانية أعوام، اختارت علياء مجيد الانتقال إلى العاصمة العراقية بغداد، تماشياً مع رغبة أبنائها الخمسة في حياة كريمة وخدمات أفضل لم يجدوها في محافظتهم ديالى (شرق البلاد) حيث يسكنون. إلا أن الزوج رفض الأمر جملة وتفصيلاً، وفضل البقاء وحيداً في داره، الذي كان يعجّ بالأبناء والأحفاد. وتشير مجيد (55 عاماً) لـ "العربي الجديد"، إلى أن الأمر لم يكن سهلاً في البداية. "صعب أن تنفصل العائلة بعضها عن بعض، خصوصاً أن الوالد كان حريصاً على تحقيق رغبات أبنائه وبناته، لكنهم كانوا دائماً يتطلعون إلى حياة أفضل مع خدمات أكثر ووظائف في شركات أهليّة غير موجودة في ديالى". تضيف: "أكثر ما شجع الأبناء هو زواج شقيقاتهم في بغداد. كان ذلك الدافع الأقوى خصوصاً بعد وعود كثيرة بالحصول على وظائف في شركات أهلية تتناسب مع مؤهلاتهم البسيطة، ما قادهم إلى اتخاذ القرار الذي وافقتهم عليه. لكن الوالد لم يكن يرغب في تغيير نمط حياته ولا المدينة التي ولد وكبر فيها منذ عشرات السنوات. لذلك، فضل البقاء وحيداً على الانتقال معنا إلى بغداد".

بدوره، واجه أبو هبة (36 عاماً)، الذي يملك محلاً لبيع المواد الغذائية، مشاكل عدة جعلته يتخذ قرار الانفصال عن عائلته داخل المنزل، من خلال تجهيز غرفة معيشية له. وطلب من أفراد العائلة عدم إزعاجه خلال ساعات وجوده في المنزل إلا للضرورة. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه اتخذ هذا القرار "بعد نقاشات عميقة مع زوجتي. كلانا لا يتحمل الآخر لكن لدينا ثلاثة أطفال لا نريدهم أن يعيشوا منفصلين عنا. المشاكل اليومية الكثيرة وعصبيتي كانت سبباً لأعيش بمفردي، وإن لبضع ساعات، تجنباً لمشاكل أكبر قد تؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه".



أما المدرِّسة بدرية محمد (47 عاماً)، فقررت الانتقال مع أبنائها وبناتها إلى محافظة السليمانية، وترك العاصمة بغداد. وتقول لـ"العربي الجديد": "لم تحدث مشاكل بيني وبين زوجي، لكن الحياة أصبحت مملّة في بغداد. الشوارع من سيئ إلى أسوأ ودرجة الحرارة لا تطاق. لم تعد بغداد المدينة التي عرفناها. تغّيرت وتغير كل شيء فيها. كم حاولت إقناع زوجي بالمجيء معنا لكنه رفض الانتقال إلى أي مكان آخر، خصوصاً أنه معتاد على أصدقائه في العمل والذهاب إلى المقهى معهم".

وتشير محمد إلى أن الانتقال إلى مدينة أخرى "كلّف الكثير من المال، إذ صار علينا توفير مصاريف لمنزلين في مدينتين مختلفتين، فضلاً عن بدلات النقل التي تصل إلى نحو 150 دولاراً شهرياً. وفي حال قررنا الذهاب إلى بغداد لزيارة زوجي والأهل والأقرباء أحياناً، نحسب المصاريف بدقة. غير أننا اعتدنا العيش بأمان ومستوى معيشي أفضل من السابق".

وتزداد حالات الانفصال في العراق نتيجة صعوبات الحياة. وسُجّل أخيراً وجود مئات الزوجات في بيوت آبائهن بسبب رفض الزوج الطلاق لأسباب مادية، أو خوفاً من أهل الزوجة حين تُصبح ابنتهم مطلقة. وبحسب عضوة منظمة "حياة" الحقوقية المعنية بالدفاع عن حقوق النساء في العراق لطيفة السعدي، فإن مئات الزوجات يمضين سنوات بلا زوج إما بسبب رفض الزوج الطلاق انتقاماً منها، أو لأسباب مادية، أو نتيجة خوف أهل الزوجة على سمعة ابنتهم، لافتة إلى أن الطلاق في الكثير من المجتمعات يعدّ عيباً. وتعتبر السعدي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "بعض الزوجات لجأن إلى المحاكم لطلب الطلاق من دون علم أهلهن، وذلك بعدما دام الانفصال فترة طويلة".



إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية زينب طارق إنّ "صراع الأدوار والتنافس بين الزوج والزوجة وسعي كل واحد منهما إلى أن يحل مكان الآخر، قد يؤدي إلى التفكك الأسري. ولعبت وسائل الاتصال الحديثة دوراً فعالاً نتيجة الاستخدام الخاطئ من قبل الزوجين. كما أن كثرة الانشغال بالألعاب الإلكترونية تؤدي إلى العزلة والابتعاد عن الأسرة، ما يجعل غياب أحدهم عن الآخر سهلاً للغاية، بل مطلباً للتخلص من مضايقته. وشكّل تغير نمط الحياة والتسارع في مواكبة كل ما يحدث في العالم عامل ضغط بالنسبة للأبناء من الجيل الجديد، الذين يتطلعون لتحسين حياتهم والعيش كما يعيش أقرانهم في بلدان أخرى، خصوصاً وأن الأفلام والمسلسلات أثرت بشكل سلبي على حياة الشباب ما أدى إلى تمردهم على واقعهم.

وتشير طارق إلى بعض الأسباب التي تؤدّي إلى الانفصال من دون طلاق، منها تجاوز العادات والتقاليد التي كانت تقف حاجزاً أمام خيار كهذا، إذ عادة ما لا يتقبل المجتمع أن تترك الزوجة زوجها وتعيش بعيداً عنه من دون أن تكون هناك أسباب واقعية ومهمة. كما أن الحرب، برأيها، ساهمت في غياب دور الرجل بعدما أصبحت المرأة تعتمد على نفسها أو على أبنائها للعيش.