قلعة يوروس... بيزنطيا ما زالت في إسطنبول

قلعة يوروس... بيزنطيا ما زالت في إسطنبول

05 اغسطس 2019
ما بقي من القلعة اليوم (العربي الجديد)
+ الخط -

تشهد قلعة يوروس عند التقاء البحر الأسود بمضيق البوسفور، في منطقة بيكوز، أقصى شمال القسم الآسيوي من مدينة إسطنبول التركية، على آخر قلاع البيزنطيين في المدينة العريقة

يقول أستاذ التاريخ المعاصر، في جامعة ماردين، في تركيا، رشيد شيخو، إنّ مدينة إسطنبول تضمّ حتى اليوم ما يثبت حرص الأتراك على إحياء التاريخ، والاعتزاز بجميع حقباته، بما فيها البيزنطية. يضيف شيخو لـ"العربي الجديد" أنّ كنيسة "آيا صوفيا" مثال على ذلك، فهي رائعة المعماري أنثيميوس، التي تبدّل دورها بعد الفتح العثماني عام 1453 وتحولت إلى مسجد، ومن بعدها إلى متحف عام 1935 على يد مؤسس الجمهورية الأولى، مصطفى كمال أتاتورك. ثمة معالم بيزنطية كثيرة في إسطنبول، ما زال يؤمها السائحون، كمتحف "تشورا" والبوابة الأثرية "باب إي همايون" لكنّ قلاع البيزنطيين، هدمت وتلاشى معظمها، لتبقى قلعة يوروس، وحدها بحسب شيخو، آخر تلك القلاع في إسطنبول.




تقع القلعة على بعد نحو ثمانين كيلومتراً من إسطنبول. وتقول المراجع التاريخية التركية، إنّ يوروس تمتد على مساحة 500 متر مربع، ويتراوح ارتفاع أبراجها بما بين 60 متراً و130، لكنّ العوامل الزمنية وغيرها، لم تبقِ من أبراجها، بحسب ما اطلعت "العربي الجديد" سوى اثنين لا يزيد ارتفاعهما عن ثلاثين متراً، بالإضافة إلى المدخل والسور. وينتصب البرجان فوق جبل وسط الغابات على حافة البوسفور، أشبه بحارسين أمينين على المضيق. تُنسب القلعة البيزنطية الوحيدة الباقية في إسطنبول لأهل جنوى الإيطالية، الذين رفعوا علمهم عليها، ونقشوا شعار دولتهم على برجي القلعة، قبل أن تستخدم كخط دفاع أول عن بيزنطيا، وباتت لاحقاً، في عهد السلطان العثماني بايزيد الأول ثكنة عسكرية.

لعلّ ما يحافظ على ألق القلعة والإقبال السياحي المستمر عليها، موقعها الساحر المطل على نهاية البوسفور وما يحيط بها من خضرة وغابات، فضلاً عن افتتاح جسر "ياوز سليم" عام 2016، الذي تطل عليه ويؤدي إليها، والمطاعم المنتشرة هناك، بالإضافة إلى التنظيم. يقول شيخو: "عادة ما كانت القلاع تُشيَّد على الثغور في أماكن مرتفعة لتكشف تقدم الأعداء أو التحضير لشن هجوم عليهم، وتسمى حصوناً أو مرابط، أما القلاع التي تقام ضمن المدن، فعادة ما كانت مراكز إدارية وقصوراً لسكن السلاطين والحكام".



يشرح شيخو أنّ دفاعات إسطنبول، وقبلها القسطنطينية، لم تكن تبدأ من التحصينات أو ما يعرف بسور القسطنطينية، بل كان الدفاع عن المدينة، يبدأ من القلاع المنتشرة على طول طرفي البوسفور، بالقرب من سواحل البحر الأسود، وربما كانت قلعة يوروس تتصدر أهمية القلاع استراتيجياً، لأنّها بُنيت عند التقاء البحر الأسود والمضيق. وعن الأبراج وأصل التسمية، يشير الباحث إلى أن لقلعة يوروس التاريخية ستة أبراج مرتفعة أكثر من 130 متراً، لكنّها هدمت ولم يبقَ منها سوى برجين اليوم، بالإضافة إلى احتفاظها بمدخلها وسورها. أما اسمها فيعني باليونانية الطبيعة، لأنّ موقع القلعة هو في أجمل مناطق تركيا وربما العالم، فهي بين الغابات المطلة على البحر والمضيق.



عدا عن القلعة البيزنطية الأخيرة، تضمّ إسطنبول عدة قلاع عثمانية، منها قلعة روملي حصار، المعروفة بجوهرة المضيق. فقبل فتح القسطنطينية، أمر السلطان محمد الفاتح ببنائها عام 1451. تُذكر في الوثائق التاريخية باسم قلعة ينيجه أو بوغازكسين. وقد اكتمل بناؤها في غضون أربعة أشهر فقط، إذ أشرف السلطان بنفسه على البناء الذي شارك فيه ألف من الحرفيين والعمال. وبعد تحقق الفتح وانتهاء مهمة القلعة، تحولت إلى سجن للجنود الإنكشارية العصاة وبعض السفراء الأجانب. وكان الأشخاص الذين يُحكم عليهم بالإعدام ينقلون إلى هذا المكان عن طريق البحر. وبعد تنفيذ حكم الإعدام تُطلق القذائف المدفعية وتُذكر أسماء الذين جرى إعدامهم على مسمع من الناس. وقد تحولت بيوت حراس القلعة وقادتها إلى حي صغير بمرور الزمن. وفي عهد حكومة عدنان مندريس عام 1953، جرى هدم الحي والجامع فيه، بحجة ترميم القلعة التي أُضيف إليها مسرح، وهو ما لا ينسجم مع طرازها المعماري.



وهناك أيضاً قلعة الأناضول، وتُسمى جوزيلجيه حصار، وتعتبر أول مبنى عسكري بناه العثمانيون، على سواحل المضيق. أمر ببنائها السلطان بايزيد الأول سنة 1395 في ملتقى وادي جوكصو والمضيق لتكون أقرب نقطة بين طرفي المضيق الأوروبي والآسيوي. وصُممت بطريقة تساعد على التواري عن أنظار الأعداء المتسللين من المضيق، وقد أضيف إليها أثناء فتح المدينة السور الخارجي والأبراج لتكون أكثر مناعة ولتأخذ شكلها النهائي. وقد ذكر الرحالة الأوروبيون أنّ القلعة كان لها باب متحرك إلى الأعلى والأسفل ويستخدم في الوقت نفسه كجسر باتجاه المياه المحيطة بالقلعة كما في القلاع الأوروبية. وكانت هذه القلعة من الآثار التي تزين إسطنبول، لكنّ القلاع التي بنيت على ساحل المضيق غابت فاعليتها الدفاعية، فتحولت إلى سجون.

دلالات