الحولة السورية لم تعرف الراحة

الحولة السورية لم تعرف الراحة

23 اغسطس 2019
أطفال يلهون بلعبة صغيرة في الحولة (Getty)
+ الخط -
سنوات من الحصار انتهت باتفاق تهجير أهالي منطقة الحولة الواقعة في ريف حمص الشمالي، لتنتهي فترة صعبة عاشها الأهالي قبل الانتقال إلى فترة صعبة أيضاً. اتفاق التهجير الذي تم التوصل إليه في شهر مايو/ أيار في عام 2018، لم يكن سهلاً بالنسبة لمن غادر المنطقة نحو الشمال السوري، ليعيش في مناطق إدلب أو عفرين في ريف حلب، ومن بقي في المنطقة متمسّكاً بما لديه فيها.

خنساء (45 عاماً)، أم لستة أبناء. تقول: "خسرت أحد أولادي في عام 2015 بسبب قصف قوات النظام على المنطقة. وبعد اتفاق التهجير، خرج أبنائي الأربعة إلى الشمال السوري. لدي ابنة تقيم مع زوجها في لبنان فيما خرجت الثانية نحو إدلب". تتابع: "مضت أربعة أعياد وعائلتنا مشتّتة. أشعر بالحزن والوحدة. لطالما أردت البقاء قرب أحفادي لأهتم بهم. اليوم، أراهم يكبرون وأنا بعيدة عنهم، ما يثير أسئلة كثيرة لدي. متى أراهم وأحضنهم؟". تضيف: "خلال الفترة المقبلة، سأحاول الذهاب نحو إدلب وتجاهل كل المخاطر التي يتحدثون عنها. لا سبيل آخر لدي. أنا أم لا قدرة لي على فراق عائلتي".

تجنيد إجباري

محمد (18 عاماً)، كان يقيم خارج منطقة الحولة خلال حصارها، وقد عاد إليها بعد اتفاق التهجير. والده أحمد أبو الخير (56 عاماً)، يقول إنه اقتيد إلى الخدمة الإلزامية في صفوف النظام. أما بقية أشقائه فيقيمون في ريف إدلب. يضيف: "خرج ثلاثة من أبنائي إلى إدلب. أما محمد، فقد ظن أن في إمكانه العمل على أن يتم تجاهله لعدة أعوام، لكن عيون الأمن لم تتركه".



وعن الوضع الأمني في المنطقة، يقول: "هناك مخاوف كبيرة نعيشها، ولا نعلم بأي تهمة يعتقلون الأشخاص هنا. نتوخى الحذر دائماً. وخلال الحديث مع أبنائي في الشمال، أكتفي بالاطمئنان عليهم وعلى أحفادي من دون التطرّق إلى مواضيع أخرى".

وتضم الحولة مدن تلدو وكفرلاها وتلذهب، إضافة إلى بلدات الطيبة وبرج قاعي التي تقيم فيها غالبية من التركمان. وقد عاش سكان المنطقة في السابق ضمن نسيج طائفي فريد، إذ تجاور منطقة الحولة بلدات تضم سكاناً من الطائفتين العلوية والشيعية فضلاً عن الإسماعيليّين والمراشدة. وتكرّرت محاولات النظام تشويه هذا النسيج على مدار أعوام.

ويلجأ معظم من بقي في منطقة الحولة إلى مدينة حمص التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن المنطقة لتلقي العلاج. عدد الأطباء فيها قليل جداً، وقد غادر أكثر من 90 في المائة من الأطباء المنطقة خلال السنوات التي سبقت التهجير. ويشكل هذا الأمر عبئاً على الأهالي.

خديجة (50 عاماً)، تتحدث لـ"العربي الجديد" عن معاناتها، هي التي تضطر بين الحين والآخر إلى مراجعة الطبيب في مدينة حمص. تقول إن المستشفى الوطني في مدينة تلدو حيث تقيم ما زال خارج الخدمة، كما أن بدل مراجعة الطبيب مرتفع. تضيف: "أدرك أن ذلك استغلال لكن ما من خيار. أعاني منذ عامين من آلام في الركبة فضلاً عن ضغط الدم. وفي المنطقة لا توجد أجهزة أو أطباء ألجأ إليهم، ما يحتم علي الذهاب إلى مدينة حمص".

تضيف خديجة: "نضطر في حالات الولادة للتوجه إلى خارج المنطقة، خصوصاً خلال الحاجة إلى عمليات قيصرية، على غرار ما حدث مع ابنتي. الخدمات الطبية لدينا سيئة، وكل شيء بقي على حاله على الرغم من الحديث المستمر عن إعادة تأهيل المستشفى والمستوصفات".



الزراعة مصدر دخل

كما في السابق قبل الثورة، اعتمد جزء كبير من أهالي المنطقة على الزراعة كمصدر دخل لهم. وتُزرع في المنطقة محاصيل متنوعة، مثل القمح والشعير والحمص والبطاطا. يقول الستيني عبد الغني أبو يونس، الذي يملك أرضاً إلى الشرق من مدينة تلدو، إن الأهالي خلال فترة سيطرة قوات المعارضة على المنطقة حفروا آبار مياه. وكان حفر الآبار قبل الثورة ممنوعاً ويحتاج لموافقة أمنية وتراخيص، الأمر الذي كان يعيق الزراعة. وفي الوقت الحالي، وفي ظل تراجع المهن، كانت الزراعة حلاً جيداً.

أما تربية المواشي، فتعد مصدر دخل جيداً أيضاً. يوضح أبو يونس أن من فصل من عمله يعتمد على تربية الأبقار والأغنام لتوفير دخل لعائلته، وهذا حل جزئي في ظل الوضع الراهن. ولاحقت قوات الأمن التابعة للنظام الشبان في المنطقة، متجاهلة حتى المهلة التي وردت في اتفاق التهجير، وشنت حملات دهم واعتقال طوال العام الماضي. ومن بين الشبان الذين اقتيدوا للخدمة الإلزامية عمار (29 عاماً). يقول لـ"العربي الجديد"، خلال اتصال به: "والدي مريض وكذلك أمي. ولم يكن لدي خيار بمغادرة المنطقة، فقررت البقاء إلى جانبهما".
يضيف: "إضافة إلى أولادي وزوجتي، التزمت المنزل، حتى داهموه واعتقلوني، وأُرسلت للخدمة الإلزامية في درعا. أكتفي بالتواصل مع عائلتي والاطمئنان عليهم فقط. أما أخي، فيقيم في لبنان ولا يمكنه العودة إلى المنطقة".