عوالم متعددة ومنوعة

عوالم متعددة ومنوعة

11 يوليو 2019
كثيرون محرومون من وقت الفراغ (منير الزمان/ فرانس برس)
+ الخط -
علينا أن نعلم أنّ عدد ساعات العمل يختلف باختلاف المجتمعات ودرجات التطور. ففي المجتمعات القديمة كان هناك الرقيق الذي يعمل ما دامت رغبة سيده تتطلب ذلك، وإن وصل الاستغلال إلى الموت. وفي بدايات الثورة الصناعية كان عدد ساعات العمل يقارب 16 ساعة ثم انخفض إلى 12 ساعة. وناضل العمال من خلال نقاباتهم وحركاتهم المطلبية من أجل 8 ساعات للعمل و8 ساعات للنوم و8 ساعات للراحة. لم تمرّ مثل هذه المطالب التي اعتبرها أرباب العمل غير مقبولة مرور الكرام. وحدثت المذبحة في مدينة شيكاغو الأميركية (1886) وأصبح ذلك اليوم عيداً للعمال في كل أولّ مايو/ أيار.

سرعان ما كرّس تقسيم العمل إلى ثلاث حصص من 8 ساعات. ومن لم يطبق عليه ذلك صارع من أجله، حتى بات حقاً معترفاً به على صعيد منظمة العمل الدولية وقوانين العمل الوطنية في كلّ الدول تقريباً. هناك تفصيلات كثيرة يتبين منها أنّ حق العمل لـ8 ساعات غير مطبق بالنسبة للقطاعات والفئات الضعيفة والمهمشة، وبالطبع يثير هذا مسألة ساعات الفراغ لدى العاملين والموظفين والأجراء وحتى للعاملين بالقطعة والنسبة وغيرها. أما الأكثر أهمية فيتعلق بالحياة الطالبية والفرق في أوقات الفراغ بين مراحل التعليم، وبين الذكور والإناث.

وهناك الفوارق الاجتماعية بين الفئات والشرائح والطبقات وظروف كلّ منها، المادية والثقافية، وما تملكه من قدرات وإمكانات على اختيار نوع النشاط الذي يمكن أن تمارسه بناءً على حال البحبوحة والفقر الذي تعيشه.



يمكن الاستنتاج حتماً أنّنا نتحدث عن عوالم متعددة ومتنوعة وغير متماثلة البتة لجهة ساعات العمل وأوقات الفراغ على حد سواء. فإذا كانت ساعات العمل هي 8 ساعات فإن ساعات الدراسة باتت أقل، لكنّ الواجبات المدرسية بما تتطلبه من أعمال التحضير والمراجعة وتصحيح المسابقات والبحث في مجال الاختصاص، تتجاوز الوقت الصفي المحدد لكلّ من التلاميذ والمدرسين معاً.

إذاً، أدخلنا موضوع أوقات الفراغ في ساعات ونظام العمل ككلّ، علماً أنّه كلّما ارتفع مستوى التقنية ازداد الضغط على العامل والموظف لإنجاز ما عليه عمله من دون أن يمتلك هامشاً أدنى من التلكؤ والتخلف عن اللحظات المقدرة والمتاحة من جانب المؤسسة والإدارة المشرفة. أيضاً على الصعيد الطالبي في التعليم العالي أدى اعتماد نظام "إل أم دي" الذي بات مهيمناً ومعتمداً في كلّ الجامعات في العالم، إلى تكثيف الضغط على الأستاذ والطالب وإرغامهما على تسريع الإنجاز في غضون الأشهر الثلاثة المقررة لكلّ فصل دراسي. وهكذا بات الطالب والأستاذ مطالبين بإنجاز المقررات المطلوبة وإجراء الامتحانات من دون أيّ تأخر عن المواعيد المفروضة، بصرف النظر عما تستحقه المادة من تركيز وتعمق.

(باحث وأكاديمي)

دلالات

المساهمون