عصيان وتمرد القضاة في الجزائر لأول مرة منذ الستينيات

عصيان وتمرد القضاة في الجزائر لأول مرة منذ الستينيات

27 أكتوبر 2019
مستمرون حتى تحقيق المطالب (العربي الجديد)
+ الخط -
دخلت المواجهة بين القضاة والحكومة في الجزائر مرحلة كسر العظام، بعدما بدأ القضاة حركة تمرد وعصيان غير مسبوقة ضد الحكومة، تعد الأولى في مسار القضاء الجزائري منذ ستينيات القرن الماضي. وقرر المجلس الأعلى للقضاء إلغاء التغيير في السلك القضائي الذي كان قد أعلنه وزير العدل بلقاسم زغماتي، الخميس الماضي.

وأعلن المجلس الأعلى للقضاء الذي يضم 12 قاضياً قراراً وُصف بالتاريخي يهدف إلى إلغاء قرار نقل وتحويل ما يقارب ثلاثة آلاف قاض، وتجميد النتائج التي انتهى إليها المجلس الأعلى للقضاء الذي عُقد الخميس الماضي، وإبقاء دورته مفتوحة حتى دراسة القائمة من جديد.

ويكشف بيان نشره القضاة الـ 12 أن وزير العدل لم يتح للمجلس الاطلاع على القرارات وقائمة التغييرات في سلطة القضاة، مضيفاً أن "المكتب الدائم للمجلس الأعلى للقضاء لم يتمكن من مباشرة صلاحياته القانونية في إعداد تقرير الحركة السنوية المعلن عنها بتاريخ 24 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019".

وأكد المجلس الأعلى للقضاء أن دوره في الاجتماع الأخير "اقتصر على الاطلاع على القائمة النهائية المعدة مسبقاً من قبل وزارة العدل". وأعرب عن مساندته قرار نقابة القضاة في شل المحاكم والتوقف عن العمل القضائي حتى تحقيق المطالب المهنية والاجتماعية.

وكانت نقابة القضاة في الجزائر قد قررت مساء أمس السبت شل المحاكم والدخول في إضراب مفتوح، وتوقيف العمل القضائي برمته بدءاً من يوم الأحد وحتى الاستجابة لمطالب القضاة. وطالبت النقابة بتعليق فوري للحركة السنوية للقضاة المعلنة من قبل وزير العدل، التي شملت نحو ثلاثة آلاف قاض بين إنهاء مهام وإحالة على التقاعد.

وعلى الرغم من تحذيرات وزارة العدل الجزائرية، التي اعتبرت أن إضراب القضاة سيضعهم تحت طائلة القانون بحسب القانون الأساسي للقضاء، الذي ينص حرفياً على أنه "يمنع القاضي من القيام بأي عمل فردي أو جماعي من شأنه أن يؤدي إلى وقف أو عرقلة سير العمل القضائي"، فقد شل القضاة اليوم المحاكم ورفضوا عقد جلسات المحاكمات في كل المحاكم والمجالس القضائية، علماً أن رؤساء المجالس القضائية عمدوا إلى عقد جلسات وكسر الإضراب الذي قالت النقابة إنه نجح بنسبة 96 في المائة.

ومساء اليوم الأحد، أصدرت وزارة العدل الجزائرية بياناً ردت فيه على مزاعم أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، واعتبرت أن قراره بإلغاء حركة نقل القضاة ليس ذا قيمة أو أثر قانوني، ما يعني تمسك وزير العدل بقراراته.

وأكدت وزارة العدل أن البيان المنسوب إلى المجلس الأعلى للقضاء "غير قانوني وغير شرعي، ويعد خرقاً لأحكام القانون العضوي الذي يتضمن تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وعمله وصلاحياته، ومساساً بصلاحيات وسلطات رئيس الدولة بوصفه رئيس المجلس الأعلى للقضاء ونائبه وزير العدل اللذين يحوزان دون سواهما صلاحيات استدعاء المجلس الأعلى للقضاء".

ويضمّ المجلس 22 عضواً هم 12 قاضياً، إضافة إلى ستة أعضاء يعيّنهم رئيس الجمهورية ورئيس المحكمة العليا والنائب العام، ويرأسه رئيس الجمهورية وينوب عنه وزير العدل بالصفة. وأعربت وزارة العدل عن أسفها في أن يصدر هذا التصرف من محترفين قانونيين، قضاة وأساتذة جامعيين في الحقوق، يفترض فيهم عدم التغافل عن هذه القواعد. إضافة إلى ما سبق، انعقد الاجتماع في مكان غير معروف وخارج المقر القانوني للمجلس الأعلى للقضاء مع غياب غالبية أعضائه".


وجاء تمرد القضاة في الجزائر على الحكومة بسبب ضغوطها على العدالة ومطالبتها بالفصل بين السلطات، عبر مراجعة فورية للقوانين الناظمة للقضاء في علاقته بالسلطة التنفيذية، والتي تهيمن على القضاء من خلال ترؤس رئيس الجمهورية أو تفويضه لوزير العدل لترؤس المجلس الأعلى للقضاء، والذي يتحكم في المسار المهني للقاضي.

ويأتي العصيان القضائي في الجزائر في ظرف سياسي حرج، وبعد حركة احتجاجية قام بها المحامون الذين نظموا الخميس الماضي مسيرات في العاصمة وكل الولايات. كما يسبق إضراباً عاماً دعا إليه ائتلاف النقابات المستقلة الـ 28 في كل من قطاعات التربية والصحة والخدمات والوظيفة العمومية، وقبل المسيرات المليونية التي دعا إليها الناشطون في الحراك الشعبي يوم الجمعة المقبل، والتي ستوافق ذكرى ثورة التحرير أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1954.