لبنان: نقابيّو "سبينس" ينتصرون في سابقة قضائية

لبنان: نقابيّو "سبينس" ينتصرون في سابقة قضائية

10 يناير 2019
متجر "سبينس" في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -


بعد متابعة مضنية دامت ست سنوات لقضية عمال متاجر "سبينس"، لتأسيس أجراء الشركة نقابة عمالية، أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير حكماً يعدّ سابقة في لبنان، بتاريخ 20/ 12/ 2018، انتهى بإدانة المدير التنفيذي للشركة مايكل رايت والشركة جزائياً على أساس المادّة 329 من قانون العقوبات، التي تعاقب كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه المدنية، بالحبس من شهر حتى سنة إذا اقترف بالتهديد والشدة وبأيّ وسيلة أخرى من وسائل الإكراه المادّي أو المعنوي. 

وحكمت المحكمة بتغريم الشركة المدعى عليها مبلغ خمسة ملايين ليرة (نحو ثلاثة آلاف و300 دولار) عن جنحة المادة 210/329، وتعويض للمتضررين الثلاثة قدره أربعون مليون ليرة (نحو 26 ألف دولار و500) لكل منهم، وحبس المدعى عليه مدة شهر واحد على أن يوقف تنفيذها في حال سدد خلال مهلة شهرين، نصف قيمة المبالغ المحكوم بها لصالح كلّ واحد من المدعين، وذلك ابتداءً من تاريخ صيرورة هذا الحكم قطْعياً.

واليوم، عقدت "المفكرة القانونية"، وحركة "مواطنون ومواطنات في دولة"، و"المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين"، بالشراكة مع نقابيي "سبينس" في لبنان سمير طوق وميلاد بركات وإيلي أبي حنا ومخيبر حبشي، مؤتمراً صحافياً تحدثوا فيه عن أهمية هذا الحكم للموظف اللبناني في دعوى جزائية.

انتصر العامل اللبناني بانتصار مؤسسي النقابة لقضيتهم المحقة، المتمثلة في الحكم الذي أنصفهم بعدما قُمعوا ووجِهوا بإجراءات صعبة وتدابير تمييزية وإذلال في شروط العمل، وصولاً إلى حد ضرب أحدهم، وهو مخيبر حبشي، لإجباره على الاستقالة. كل ذلك في ظل تناسٍ كليّ لحقهم الطبيعي في إنشاء نقابة عمالية تضمن تحقيق مطالبهم المشروعة قانوناً، إثر الامتناع عن تنفيذ مرسوم تعيين الحدّ الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين والعمّال، الخاضعين لقانون العمل ونسبة غلاء المعيشة.

ويقول وكيل النقابة في هذا الملف ومدير المفكرة القانونية التنفيذي المحامي نزار صاغية، لـ "العربي الجديد": "للظروف الاقتصادية المتردية اليوم دور بارز في تراجع العمال والمأجورين عن المطالبة بحقوقهم العملية. يتخبط العامل في أزمة حقيقية يخشى فيها المواجهة خوفاً من أن يخسر وظيفته".


يضيف صاغية: "العامل اليوم في تنازل مستمرّ عن متطلباته وحقوقه، ما يعوق التوازن الواقعي بين أصحاب العمل والعمّال". يأتي هذا الحكم "سلاحاً يتمثل بالقانون الجزائي بيد العمال للدفاع عن حقوقهم، وكان حق حرية النقابات معلناً لكن من دون ضمانات لتنفيذه. اليوم، أصبح محمياً بموجب قانون العقوبات". يتابع: "تدخل القانون والقضاء لإعادة بعض التوازن للعلاقات بين أصحاب العمل والعمال، وطبّقت القاضي صفير دور القاضي الأهم في إحقاق الحقّ وتظهير الصورة الفضلى للعدالة الاجتماعية المطلوبة".

ويختم صاغية قائلاً: "تحرك الحق العام للمرة الأولى قضائياً من خلال هذا الملف، مواجهاً بطش أصحاب العمل وقمعهم بحكم سلطتهم الأعلى على الموظف، وأنصف الموظف مما تعرّض له من تحكّم وترهيب معنوي ومنع من المطالبة بحقوق مدنية مشروعة. وكان القضاء اللبناني الحكم الذي لم يرد للمدعي حقه عبر تعويض مادّي شخصي فحسب، بل اعتبر المخالفة القانونية التي قامت بها الشركة اعتداءً على المجتمع برمته، انتهت بعقوبة جزائية تسجن فاعلها وتُلزم شركته، حتى ولو كانت شركة متعددة الجنسيات وضخمة، بمبلغ طائل".

بعض الزبائن داخل المتجر (حسين بيضون) 


وخلال المؤتمر الصحافي، عرض صاغية حيثيات القضية والحكم، قائلاً: "احتاج الأمر إلى ست سنوات كي يسجل نقابيو سبينس انتصاراً ثميناً جداً، تمثّل بالحكم الرائد الصادر عن القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير بتاريخ 20/ 12/ 2018، الذي انتهى بإدانة المدير التنفيذي للشركة مايكل رايت والشركة جزائياً على أساس المادّة 329 من قانون العقوبات، التي تعاقب كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه المدنية بالحبس من شهر حتى سنة، إذا اقترف بالتهديد والشدة وبأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه المادّي أو المعنوي. وقد جاء هذا الحكم ليكلل سنوات من الإجراءات القضائية".

أضاف صاغية: "أثناء الدعوى، تمكّن النقابيون المصروفون من الشركة من توثيق رواية معاناتهم في محضر قضائي رسمي. رووا ما تعرضوا له من تدابير تمييزية وإذلال في شروط العمل (نقلهم إلى فروع بعيدة، تغيير طبيعة عملهم، تكليفهم بأعمال مذلّة ومجهدة)، وقد وصل بعضها إلى حد الاعتداء الجسدي، كل ذلك على خلفية تأسيسهم نقابة عمالية للدفاع عن حقوقهم. رووا كيف تجبرت واستكبرت إدارة الشركة في وجههم، وكيف وضعتهم ووضعت زملاء كثيرين لهم أمام معادلة: الاستقالة من النقابة، أو الصرف من العمل. ورووا كيف أرغم العشرات من زملائهم على الاستقالة من النقابة بموجب نموذج كتاب واحد أعدّته الشركة وأرغمتهم جميعاً على توقيعه، وكيف أفرغت النقابة من أعضائها بفعل الضغوط المذكورة، حتى أصبح مجلس النقابة مكوّناً فقط من ثلاثة أشخاص صرفوا كلهم من العمل. شهاداتهم الموثقة في سجلات المحكمة باتت مستنداً رسمياً يوثّق قضائياً إحدى أهم المعارك النقابية في لبنان".



وأشار صاغية أنه "في مواجهتهم، حضر مدير محالّ سبينس مايكل رايت الذي استطاع حتى الآن أن يفلت من أي محاسبة. تحالفاته السياسية مع أحزاب وظفت، وربما توظف أتباعها في محالّه، ضمنت له حتى تلك اللحظة الأمان. ومن المفيد أن نتذكر أن وزارة العمل في وقتها (2012) امتنعت عن اتخاذ أي تدبير حمائي للعمّال والأجراء، على الرغم من لجوئهم المتكرر إليها، وتصرفت وكأنها لا ترى ولا تسمع ما يجري في شركة سبينس. وقد أقرّ رايت بأنه لم يحترم مرسوم زيادة الأجور لأنه مضرّ بالاقتصاد اللبناني، وأقرّ بأنه رفض التحاور مع النقابة والاعتراف بها لأنها تخفي مشروعاً سياسياً. وشكلت المواجهة بحدّ ذاتها لحظة مهمة، إذ كانت المرة الأولى التي توجه فيها أسئلة إليه من جهاز رسمي بحضور النقابيين ضحاياه أنفسهم".


وخلال المؤتمر الصحافي، شدد الأمين العام لحركة "مواطنون ومواطنات في دولة" الوزير السابق شربل نحاس، على أهمية هذا الإنجاز الذي يعدّ إحدى أهم المعارك النقابية في لبنان بعد نضال، وثبات النقابيين المؤسسين لنقابة سبينس. أضاف: "هؤلاء شكلوا ظاهرة استثنائية لعمل نقابي فعلي بمساعدة المحاميين نزار صاغية وكريم نمور".


في هذا الإطار، يقول المحامي كريم نمور لـ "العربي الجديد": "نحن في صدد الاطلاع على حكم تاريخي ومتقدم وسابقة فريدة من نوعها في القضاء اللبناني. وبسبب الجهود الكبيرة التي بذلها المدعى عليه في استخدام نفوذه وكل الوسائل المتاحة له لقمع عماله، أصبح من المهم أن تُدرّس معطيات هذه القضية في كليات الحقوق، كنموذج لما مورس من قمع من شركة ضخمة متعددة الجنسيات لأجراء موظفين لبنانيين يطالبون بتحسين ظروف العمل فيها". 

يضيف: "وضع القضاء اللبناني حدّاً للتعسف الممارس من أصحاب العمل بشكل عام، وصار بمقدور العامل ملاحقة صاحب العمل جزائياً والحصول على حكم ضدّه بالسجن والغرامة".

دلالات