عقوبات على إيران تضرب الفقراء

عقوبات على إيران تضرب الفقراء

06 اغسطس 2018
العقوبات تنعكس على فئة الشباب (عطا كيناري/ فرانس برس)
+ الخط -
المشاكل الاجتماعية الناشئة عن الظروف المعيشية الصعبة في إيران كثيرة، لكنّ الحلول بعيدة جداً، خصوصاً مع عودة العقوبات الأميركية. وهو ما قد يؤجج احتجاجات طويلة الأمد في الشارع

عادت المنغصات التي ظنّ الإيرانيون أنّهم تخلصوا منها، بعد ثلاثة أعوام فقط من عمر الاتفاق النووي مع الغرب، فانسحاب الولايات المتحدة وإعادة فرض عقوباتها على إيران تركا تبعات سلبية على الظروف المعيشية للسكان، قبل أن يعود الحظر عملياً، ابتداء من اليوم الإثنين.

مع ارتفاع حدة التهديدات السياسية المتبادلة بين طهران وواشنطن والتي لحقتها دعوة لتفاوض غير مشروط، انخفض سعر العملة المحلية أمام الدولار كثيراً، وانخفضت معها قدرة الإيرانيين على شراء السلع الرئيسة، بسبب ارتفاع الأسعار، ليتذكروا أياماً ظنوا أنها قد ولّت، لكنّها كانت كفيلة هذه المرة بدفعهم نحو الشارع للاعتراض على وضعهم الذي ينبئ بالمزيد من التبعات الجدية على المجتمع مستقبلاً.




في جولة بسيطة على محال أحد أحياء العاصمة طهران، يسمع صوت الشكاوى والتذمر بوضوح، يتبادل المواطنون الذين يقفون عند طابور شراء الخبز أو في محل الخضار تحليل ما يجري بقلق مشترك. تقول سيدة تبتاع الخضار، إنّ الأسعار عادت للتباين بشدة بين منطقة وأخرى. تشكو لصاحب المكان عدم قدرتها على شراء كلّ أنواع الفاكهة التي اعتادت على إحضارها صيفاً، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ به. تجيبها سيدة أخرى أنّ عليها أن تشتري الخضار والفاكهة من السوق التابع للبلدية، فالأسعار هناك بالرغم من ارتفاعها عن السابق إلاّ أنّها ما زالت أفضل من المحال الخاصة. أما صاحب المكان الذي يوافق على كلامهما بالتزامن مع امتعاضه من الأوضاع، فيقول إنّه لا يحصل على بضاعته بالسعر المنخفض نفسه الذي يحصل عليه تجار سوق الخضار التابع للبلدية مثلاً، ما يعني أنّه مجبر على بيعها بهذه القيمة، مؤكداً أنّ حصيلته اليومية قد انخفضت كثيراً منذ شهر تقريباً.

أمام محل للصيرفة، يشتكي مواطنون عدم قدرتهم على الحصول على الدولار الذي تتبدل أسعاره يومياً، وأحياناً لأكثر من مرة في اليوم الواحد، وهو ما يعتمد على المؤشرات السياسية دائماً. يقول الخمسيني، وكيلي، إنّه مضطر لشراء الدولار بين الحين والآخر لأنّه يرسل المال لابنه الذي يدرس في الخارج، وانهيار العملة أثر على وضعه المالي كثيراً بالرغم من أنّه لم يتقاعد بعد، وما زال على رأس عمله في شركة خاصة.

أما الشباب الإيرانيون وإن كانوا يظهرون قلقاً أقل من الآخرين حين يدور الحديث عن الظروف المعيشية وارتفاع أسعار السلع، فإنّهم في الحقيقة يعانون من مخاوف مصيرية تتعلق بمستقبلهم. يقول كاميار، الذي يعمل في مقهى، وما زال يدرس في الجامعة، إنّه يحصل على راتب شهري يكفيه ليعيش، ولا يوفر منه أيّ شيء. يتابع أنّه يعيش في قلق دائم لأنّ ربّ عمله يضطر أحياناً إلى تخفيض عدد العمال، مع أنّ المقهى مزدحم، لأنّه غير قادر على دفع إيجار المكان الذي يرتفع أيضاً بين فترة وأخرى، كما ترتفع أسعار المواد الأولية التي يشتريها من قبيل القهوة المستوردة من الخارج، وفي المقابل، لا يستطيع أن يزيد أسعار ما يقدمه للزبائن كثيراً كي لا يخسرهم.

شيفا، طالبة جامعية، تجلس في المكان نفسه مع صديقاتها، وتقول إنّها تعرف أنّ الوضع المعيشي والاقتصادي صعب جداً، لكنّها تعلم تماماً أنّها لن تكون قادرة على إيجاد فرصة عمل بسهولة حين تتخرج من كليتها. توافقها صديقتها سميلا الرأي، وتعتبر أنّ الحلّ يكمن في خيار الهجرة إلى الخارج، فهي تتعلم الإنكليزية لتحصل على شهادة رسمية بهدف إكمال دراساتها العليا في جامعة أجنبية والبقاء في بلد تستطيع أن تحقق أحلامها فيه، بحسب وصفها.

من جهته، يقول الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع، مجيد أبهري، إنّ ظروف المكان والبيئة التي يعيش فيها الفرد تؤثر على حياته برمتها، فكما يترك ازدحام وتلوث العاصمة الإيرانية تبعات صحية ونفسية على المواطن الإيراني، فهناك أيضاً مشاكل أخرى من قبيل غياب الأمان الوظيفي وفرص العمل المناسبة تنعكس سلباً. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الشارع الإيراني بات يتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح أكثر انفتاحاً عليها، ويتبادل مستخدموها اليوم الأحاديث عن همومهم المعيشية. ويشير إلى أنّ العوامل الاقتصادية التي عادت للتدهور ستزيد نسب الطلاق، فالدراسات المتعلقة بهذه الظاهرة تؤكد أنّ أحد أهم عوامل الانفصال في إيران يرتبط بصعوبة الظروف المعيشية التي تنعكس على شاكلة ضغط نفسي على الزوجين. يتابع أنّ العزوف عن الزواج لأسباب اقتصادية تحول إلى ظاهرة في إيران، متوقعاً أن تزيد معدلاته في الفترة المقبلة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة العلاقات خارج إطار الزواج.




يوضح أبهري أنّ ارتفاع أسعار العقارات والذي سيبدو أكثر وضوحاً بعد فترة، سيترك تبعاته هو الآخر، إذ تضطر بعض العائلات للانتقال من المدينة إلى ضواحيها، وهي المناطق الأكثر فقراً ويوجد فيها العديد من المشاكل. ويعتبر أنّ حلّ مشاكل الاقتصاد الإيراني ليس سهلاً، لكنّ الحكومة تستطيع على الأقل أن تبدي اهتماماً أكبر بأصحاب المشاريع الصغيرة، فهذا في حد ذاته قد يزيد حجم الاستثمار، وقد يشجع الشباب على الإبداع والعمل ويزيد الأمل لديهم، فالإحباط الناتج عن المشاكل الاجتماعية يتسبب بما هو أكثر تعقيداً كالإدمان.