مجموعات "واتساب"... ملتقى السوريين في عيد الفطر

مجموعات "واتساب"... ملتقى السوريين في عيد الفطر

17 يونيو 2018
صور ورسائل تطمئن الأهل عن بعد (فيسبوك)
+ الخط -


الحرب السورية الطاحنة التي تسببت بتهجير أكثر من 10 ملايين سوري عن ديارهم، إمّا نزوحاً داخلياً أو هجرة إلى مختلف دول العالم، جعلتهم يبتكرون سبلاً للتواصل عبر أصقاع الأرض، تنشط خصوصاً في فترات الأعياد لكي تخفف ثقل الفراق والبعد عن العائلة والوطن.

ورافق التهجير القسري لملايين السوريين قطع للأواصر والعلاقات الاجتماعية بين العائلات وبين أفراد العائلة الواحدة. كثيرة هي العائلات التي هاجر أغلب أفرادها، وتوزع أبناؤها على أكثر من مدينة، بل أكثر من دولة. ووفق هذا الحال وتلك الظروف لجأ السوريون إلى حلول بديلة تلم شمل بعضهم المفقود، فكانت المجموعات على تطبيق "واتساب" بديلاً افتراضياً يجمع المتفرقين.

يزن الشيخ، شاب سوري (27 عاماً) يسكن في إسطنبول منذ ثلاث سنوات، في حين تتوزّع عائلته بين دوما مدينته الأصلية حيث أمه وأبوه، وبين ريف حلب الشمالي مكان إقامة أخيه الأصغر، النازح إلى هناك.

يتحدث الشيخ لـ"العربي الجديد" قائلاً: "عائلتنا متفرقة وتواصلنا لولا واتساب سيكون صعباً جداً، فكلفة المكالمات الدولية مرتفعة. لذلك أنشأت مجموعة خاصة بنا أضفت إليها رقم هاتف أبي وأختي المتزوجة، وهم موجودون في مدينتنا دوما، بالإضافة إلى رقم أخي النازح لريف حلب منذ شهرين".

ويكمل الشيخ "مجموعة الواتس (اختصار واتساب) ربما هي متنفسنا العائلي الوحيد، من خلالها يعرف كل فرد في عائلتنا أخبار الباقين، نتبادل الأخبار ومجريات ما يحدث معنا يومياً، وإذا ما انقطع النت عن أحدنا يوماً نشعر بضياع كبير".

وأم عمّار حالها شبيه بحال يزن الشيخ، هي من سكان حماة، وتجاوزت الخمسين من عمرها، تقول لـ"العربي الجديد": "ابني الصغير عمر الوحيد الذي بقي من أبنائي في سورية، فاثنان منهم في تركيا والثالث يقيم في ألمانيا، علّمني استخدام واتساب، فأنشأت مجموعة سميتها أحبابي".

مهاجرون منتشرون في دول العالم (تويتر) 


وتسهب أم عمّار "أمارس عبر هذه المجموعة كل طقوس الأمومة، أتفقدهم في كل حين، أكلمهم صباحاً ومساءً، حتى إنني أوصيهم في كل ليلة أن يدفئوا أنفسهم". وتضيف "في العيد، هذه المجموعة هي أقرب الأشياء إلى قلبي، أبدأ صباحي بتبادل التهاني مع أبنائي عبرها، أرسل لهم صور الحلوى التي أعددتها، وأحزن كثيراً لأنهم لن يتذوقوها كما كانوا من قبل، كانوا يحبون ما أعده لهم كثيراً".

أمّا محمود عامر، الشاب الحمصي المقيم في فرنسا، فيقول بلهجة ساخرة ممزوجة بالألم لـ"العربي الجديد": "أصبحت حياتنا رقمية، ومشاعرنا تتحول إلى أرقام وتنتقل عبر الأسلاك، جيد اختراع الواتس، لعله يخفف شيئاً من شوقنا، ويقلل بعضاً من آلام غربتنا".

ويردف عامر "في كل عيد يمر علينا، أنشئ مجموعة أسميها لمّة عيد مرفقة باسم السنة التي نحن فيها، هذه المجموعة فيها إخوتي وأمي وأبي وأولاد العم والخال، نتبادل فيها التهاني، وصور ما اشتريناه للعيد، ونترجم كثيراً من مشاعرنا وانطباعاتنا عبر رموز (إيموشن)".

التواصل عن بعد يكسر بعد المسافات ومشاعر الغربة (فيسبوك) 


وتحوّل تطبيق "واتساب" برأي ممدوح طيارة، السوري المقيم في هولندا، إلى مضافة ضرورية في العيد. ويقول طيارة لـ"العربي الجديد": "هنا في هولندا، كما أغلب البلاد الأوربية، لا طقوس للعيد ولا عادات مرتبطة به، وهذا طبيعي لأن نسبة المسلمين هنا قليلة. وتلك المجموعات على البرنامج الأخضر، واتساب، هي أكثر ما يذكرنا بقدوم العيد، فتتوالى بطاقات التهاني ومقاطع صوتية فيها تكبيرات وتهليلات وتبريكات، إضافة إلى بعض النكات المرتبطة بالمناسبة، التي ابتكر السوريون بعضها، سخرية من الحال التي وصلنا إليها".

ويضيف طيّارة "في العيد أشعر بالمجموعات التي تجمعني مع أقربائي وأصدقائي، وبأنها تحولت لصالون ضيافة. وجود كثيف لأعضاء المجموعات صبيحة العيد، وصور مرسلة من كل دولة ومن كل طرف، والأجمل بعض الفيديوهات التي تسجل وترسل من أهلنا في الداخل، التي قلما يرسلونها بسبب البطء في النت (الإنترنت) وصعوبة الاتصال عبره أحياناً".

من جهته، المهندس أيمن العنتري، المختص بالشبكات ومواقع السوشيال ميديا، يوضح لـ"العربي الجديد" أهمية البرامج التي المبتكرة في السنوات الأخيرة، التي قصرت المسافات كثيراً بين الناس المنتشرين في العالم، ويقول: "في حالتنا السورية، وربما من حسن حظنا، أن توجد مثل هذه التطبيقات التي هي بحق أدوات تواصل اجتماعي فعالة، وأصبحت بمثابة حياة افتراضية كاملة، ولربما السوريون هم من أكثر الشعوب اليوم استخداماً لتقنية المجموعات، على واتساب وغيره من التطبيقات، للحاجة الملحة إلى البقاء على تواصل مع محيطهم الاجتماعي السابق الذي أصبح منتشراً في أقطاب الأرض".

ويمر على السوريين هذا العام عيد فطر هو الثامن لهم، في ظل ظروف صعبة لا تقتصر على الفقر والحاجة، إنما تعدتها لتؤثر على حياتهم الاجتماعية اليومية التي يأملون أن تعود يوماً ما إلى الحال الذي يتمنونه.

المساهمون