هل تعود عائلات إرهابيي الجبال إلى حضن الجزائر؟

هل تعود عائلات إرهابيي الجبال إلى حضن الجزائر؟

01 مايو 2018
تأهب أمني بعد عملية إرهابية (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -


مرّة جديدة، وجّه الجيش الجزائري دعوات إلى عائلات المسلحين المتهمين بالإرهاب التي ما زالت في الجبال في مخابئ المجموعات المسلحة، خصوصاً في مناطق شرق الجزائر، تشجّعها على تسليم أنفسها والنزول من الجبال، والاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي يتيح لها الاستفادة من العفو والعودة الطوعية إلى حضن المجتمع. يُذكر أنّ العائلات التي سلمت نفسها منذ عام 2016، يتجاوز عدد أفرادها 44 شخصاً، من بينهم أطفال رضّع وآخرون أكبر سناً.

وأخيراً، على خلفيّة تسليم 10 أفراد من عائلة إرهابي أنفسهم للجيش في منطقة جيجل (شرق)، كان نداء جديد لوزارة الدفاع الجزائرية يدعو "جميع من تبقى من العائلات وبقايا الإرهابيين إلى التوبة والرجوع إلى جادة الصواب والاندماج في المجتمع واغتنام فرصة الاستفادة من التدابير القانونية السارية المتضمنة في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية". واستندت إلى استفادة المسلحين وعائلاتهم "وكثيرين ممّن سلموا أنفسهم إلى السلطات العسكرية، في الآونة الأخيرة، بعدما تأكدوا من أنّ طريق الإرهاب مسدود". وقد جددت وزارة الدفاع الجزائرية عزمها القضاء على الإرهاب وبقاياه، مؤكدة أنّ الحل الوحيد أمام المسلحين والأشخاص المتبقين في الجبال هو "كسر حاجز الخوف والتردد والدخول من جديد في مسار الحياة الطبيعية في المجتمع، والتعجيل بالنزول (من الجبال) والعودة إلى المجتمع قبل فوات الأوان".

وعلى الرغم من انتهاء الآجال القانونية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الصادر في سبتمبر/أيلول 2005، فإنّ السلطات الجزائرية ما زالت تعتمد على الإطار القانوني نفسه وتوفّر عرضاً للاستسلام في مقابل الاستفادة من التدابير نفسها التي استفاد منها مسلحو الجيش الإسلامي للإنقاذ في ذلك الحين. وفي الفترة الأخيرة، تزايدت عمليات استسلام المسلحين لقوات الجيش، ومنذ بداية هذا العام قارب عددهم 30 مسلحاً. واللافت كذلك هو استسلام عائلات إرهابيين مكثت سنوات في الجبال والأدغال، وكسرها حاجز الخوف والعودة إلى حضن المجتمع. وقبل أيام، سلم أفراد عائلة إرهابي يدعى ف. صالح وينشط منذ عام 1998 في صفوف الجماعات الإرهابية، أنفسهم للجيش في منطقة جيجل. والأفراد البالغ عددهم 10، من بينهم زوجة ف. صالح وأحد أبنائه الذي صُنّف، بحسب بيان وزارة الدفاع، كناشط في صفوف الإرهابيين.




وعرضت وزارة الدفاع صوراً لأفراد العائلة، كاشفة أنّهم كانوا يعانون من "ظروف اجتماعية متدهورة، لجهة الصحة الجسدية والنفسية، خصوصاً الرضيعان. وقد استفادوا من التكفل الكامل الذي قُدّم لهم من قبل المصالح المختصة بتوفير العلاج واللوازم المساعدة على تلبية حاجياتهم المستعجلة". وقالت المرأة التي كانت محاطة بابنتها وابنَيها إنّها تعيش "لحظة فارقة في حياتي بعودتي من الجبال إلى جادة الصواب وحضن المجتمع"، معلنة استعدادها للمساهمة في إقناع الأشخاص المترددين باتباع النهج الصحيح والاستجابة لنداء العقل والضمير وتمكين عائلاتهم من تجاوز الحاجز النفسي والظروف المأساوية والعودة إلى المجتمع.

وتكشف هذه الحالة عن مأساة مفادها أنّ نساء يُجبرنَ من قبل إرهابيين على عيش حياة بدائية في الجبال، لا سيّما في مخابئ المجموعات الإرهابية منذ أكثر من 20 عاماً، برفقة أطفال وُلدوا بمعظمهم في الجبال بعيداً عن كل مظاهر الحياة المدنية. وفي السياق، يعلق العقيد المتقاعد في الجيش، رمضان حملات، على الدعوة الجديدة التي وجهها الجيش الجزائري لعائلات الإرهابيين، قائلاً إنّها فرصة جيدة وثمينة للعائلات التي ما زالت في الجبال، ولعائلاتها وأقربائها الذين يتواصلون معها من أجل إقناعها بالنزول وإنهاء مأساة النساء والأطفال. يضيف أنّه "من المؤلم أن تجد أطفالاً رضّعاً في مخابئ الجماعات الإرهابية في الجبال، ويعيشون في ظروف غير إنسانية"، مشيراً إلى أنّ "القسم الأكبر من هذه العائلات محتجز بالإكراه من قبل الإرهابيين". ويتحدث مجاهد عن أنّه لاحظ خلال فترة خدمته في الجيش ومكافحة الإرهاب، "حالات نساء وأطفال كانوا يعيشون في ظروف قاسية في مراكز ومخابئ تابعة للمجموعات الإرهابية في الجبال".

وإذا كانت هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها الجيش تسليم نساء من عائلات إرهابيين أنفسهنّ مع أطفالهنّ للجيش منذ بداية العام الجاري، فإنّ العامَين الماضيَين 2016 و2017 شهدا حالات عدّة لأفراد من عائلات إرهابيين سلّموا أنفسهم للجيش، أو لنساء كنّ يعشنَ في الجبال أو فرض عليهنّ النشاط بشكل أو بآخر في صفوف المجموعات الإرهابية لقوات الجيش. وفي مارس/آذار 2016، سلّمت امرأة كانت منذ عام 1994 في مخابئ الجماعات المسلحة، نفسها، إلى الجيش مع ابنتَيها المولودتَين في الجبال. وفي يونيو/حزيران 2016، سلّمت امرأة إرهابية كانت زوجة لمسلحَين اثنَين في الجبال، قضت عليهما قوات الجيش تباعاً في عام 2008 وعام 2014، نفسها، للجيش مع أربعة أطفال ولدوا في الجبال. وفي الوقت نفسه، سلّمت عائلة أخرى نفسها إلى الجيش، تضم امرأة وطفلَين.

وفي شهر يناير/كانون الثاني 2017، سلمت ناشطة سابقة في صفوف الجماعات الإرهابية، تدعى أم خالد، نفسها، إلى قوات الجيش مع أطفالها الخمسة، تاركة زوجها في الجبل، وذلك بعد 22 عاماً من العيش في الجبال برفقة الإرهابيين. وفي إبريل/نيسان 2017، تمكّنت قوات الجيش من توقيف إرهابي يُدعى صالح أبو أيمن كان قد التحق بالجماعات الإرهابية في عام 2002 وتخصص في صناعة المتفجرات والقنابل، مع عائلته المؤلفة من زوجته نادية وأطفاله الخمسة (ثلاث بنات وابنان) عندما كانوا في مخبأ خاص بالجماعات المسلحة. وخلال الفترة نفسها، عثرت قوات الجيش الجزائري على جثة الإرهابية الناشطة في مجموعة مسلحة تسمى حورية ف. وهي زوجة إرهابي قتل في عملية عسكرية في يوليو/تموز 2016. يُذكر أنّها شقيقة نادية المذكورة آنفاً.




وفي مايو/أيار 2017، سلّمت مسلحة تدعى نورة ق. نفسها إلى قوات الجيش مع أبنائها الثلاثة الذين ولدوا جميعهم في الجبال. وهي كانت قد بقيت منذ عام 1996 في الجبال مع الجماعات الإرهابية. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، أعلن الجيش توقيف خمس نساء كنّ في مخبأ للجماعات الإرهابية في منطقة جيجل ومعهنّ طفلان يبلغان من العمر خمسة وسبعة أعوام.

تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات تسمح لتلك العائلات، في الغالب، بالعودة إلى الحياة الطبيعية، باستثناء النساء اللواتي تصنّفهنّ بيانات وزارة الدفاع بالإرهابيات، لأنّهنّ لم يسلمنّ أنفسهنّ للجيش الوطني وقد اعتُقلنَ داخل مخابئ للإرهابيين. بالتالي تُصار إحالتهنّ إلى القضاء. يُذكر أنّ وزيرة التضامن السابقة، مونية مسلم، كانت قد أوضحت، في وقت سابق، أنّ الوزارة تساعد المصالح الاجتماعية للجيش في التكفّل النفسي وإعادة تأهيل الأطفال والقصّر العائدين من الجبال بسبب الظروف الصعبة التي عاشوا فيها.

دلالات