"عقاب رادع" لتجار العريش

"عقاب رادع" لتجار العريش

04 ابريل 2018
الحملة العسكرية مستمرة (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

يتابع الجيش المصري عملياته في العريش، لكنّ الآثار السلبية تطاول الأهالي حتى في لقمة عيشهم التي يتحكم في أسعارها بعض التجار. هذا الوضع دفع إلى تأسيس حملة شعبية رافضة.

مع استمرار تقاعس الأجهزة التنفيذية التابعة للدولة المصرية عن متابعة الأسواق بمدينة العريش في محافظة شمال سيناء، بل تواطؤها مع التجار الذين ازداد جشعهم ورفعوا أسعار المواد الغذائية التي تدخل بكميات قليلة منذ بدء العملية العسكرية الشاملة في 9 فبراير/ شباط الماضي، اضطر أهالي المدينة إلى بدء حملة مجتمعية، أطلقوا عليها "العقاب الرادع" تقضي بمقاطعة شاملة للتجار.

بالفعل، نجحت الحملة التي بدأت قبل أيام في إجبار عدد من التجار على بيع كميات من المواد الغذائية المخزنة لديهم بأسعار مناسبة، وكذلك أدت إلى انكشاف أمر عدد من العاملين في مديرية التموين بالمدينة، واعتقال عدد منهم، كما فضحت تجاراً احتكروا البضائع وباعوها بأسعار مضاعفة على مدار الأسابيع الماضية، من دون محاسبة أو رقابة من قبل الأجهزة المعنية التابعة للدولة.

وكان الجيش المصري قد بدأ عمليته العسكرية الشاملة بهدف السيطرة الأمنية على محافظة شمال سيناء، والقضاء على تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش"، إلاّ أنّ هجمات التنظيم ضد قوات الأمن ما زالت مستمرة بالرغم من مرور أكثر من 50 يوماً على بدء العملية. وباعتراف الجيش فإنّه خسر حياة 24 عسكرياً، بالإضافة إلى عشرات الإصابات.

يقول أحد القائمين على الحملة لـ "العربي الجديد" إنّ استمرار العملية العسكرية وعدم وجود سقف زمني لها، اضطرنا للبحث عن حلول للأزمات التي نعاني منها، في ظلّ غياب شبه تام لأجهزة الدولة، فكان التفكير يتجه إلى الضغط على "تجار الأزمات" الذين استغلوا حاجة المواطنين للمواد الغذائية والخضر في ظل الإغلاق الشامل لمحافظة شمال سيناء منذ بدء العملية العسكرية، وهذا ما كان فعلاً من خلال حملة "العقاب الرادع".


يضيف الناشط، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنّ الحملة تنقسم إلى قسمين؛ الأول يتمثل في كشف الحجاب عن عشرات التجار المتورطين في احتكار البضائع وتسليمهم للقوات المسلحة، وهذا ما يعمل عليه عدد من القائمين على الحملة، أما القسم الأهم فيتمثل بمقاطعة شاملة عبر كلّ المواطنين للتجار الذين يبيعون بأسعار مضاعفة، مما يؤدي إلى كساد بضاعتهم، وتعرضها للتلف خصوصاً الخضر والأسماك، مما يضطرهم إلى بيعها بأسعار معقولة في وقت لاحق. يشير إلى أنّ الحملة التي بدأت يوم الجمعة الماضي تلقى اهتماماً شعبياً واسعاً، وبدأت ملامح نجاحها تظهر فعلياً في الأسواق. وتبيّن أنّ الحملة تمثل بديلاً عن الأجهزة التنفيذية التي تتغاضى عن احتكار التجار بمقابل مادي يقدم كرشاوى للعاملين في مديرية التموين أو محافظة شمال سيناء، مما أدى إلى إحداث أزمة إنسانية حقيقية، طاولت آلاف المصريين سكان المدينة، منذ بدء العملية العسكرية.

مما كشفته الحملة، وفقاً للقائمين عليها، أنّ عدداً من العاملين في المحافظة ومديرية التموين خزنوا كميات من المواد الغذائية في منازلهم، ويبيعونها في أوقات متأخرة من الليل لمعارفهم وأقاربهم، مما دفع بعض المواطنين المجاورين لهم للقيام بتصويرهم خلال بيع المواد الغذائية ليلاً، إلاّ أنهم لم يستطيعوا الاستفادة من التوثيق؛ لعدم اهتمام الأجهزة التنفيذية بحالة الاحتكار القائمة في السوق، فمديرية التموين لا تنفذ أيّ إجراءات تفتيش ورقابة للأسواق منذ بدء العملية العسكرية.

من جهتها، بدأت صفحات التواصل الاجتماعي في تناقل هاشتاغ الحملة الجديدة، وتحريض المواطنين على المشاركة فيها، ونشر أسماء وأماكن تواجد التجار المحتكرين للبضائع، ورموز أسماء الموظفين المتقاعسين عن عملهم في متابعة الأسواق، أو المتواطئين مع ما يجري بحق المواطنين، وسط دعوات لتحركات ميدانية تضغط على الدولة والقوات المسلحة لإيجاد حل جذري للأزمة الإنسانية المتفاقمة.

يشار إلى أنّ قوات الجيش أغلقت كلّ منافذ محافظة شمال سيناء منذ بدء العملية العسكرية، وما زالت تمنع حركة المواطنين من المحافظة وإليها إلاّ في إطار ضيق جداً وبتنسيق مسبق مع المحافظة، فيما يتواصل توقف العملية التعليمية في مدارس وجامعات ومعاهد سيناء منذ بدء العملية، من دون معلومات عن موعد انتهائها وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل 9 فبراير.

تعقيباً على ذلك، يقول أحد وجهاء مدينة العريش لـ "العربي الجديد" إنّ أهالي سيناء قرروا البحث عن حقوقهم بأنفسهم، بعد تجاهل الأجهزة المعنية لما يجري من استغلال للمواطنين المحاصرين في المحافظة. يضيف أنّ التوجه الحالي يقضي بدعم الحملة الشبابية التي تضرب احتكار التجار للبضائع، وتمثل رسالةً لكلّ الأطراف الحكومية أنّ أهالي سيناء لم يعودوا يتحملون ما يجري لهم من تبعات للعملية العسكرية التي ينتظرون منها تحقيق الأمن والاستقرار في المحافظة.


يتابع أنّ سكان مدينة العريش تحملوا إجراءات قاسية من القوات المسلحة المصرية خلال السنوات الماضية وحتى خلال العملية العسكرية من حملات دهم واعتقال وتفتيش شخصي بشكل يومي، على أمل أن ينتهي "الإرهاب" الذي قلب حياتهم منذ أحداث يونيو/ حزيران 2013، رأساً على عقب. لكنّ قسوة الظروف التي تمثل الدولة طرفاً فيها وصلت إلى لقمة العيش، وحليب الأطفال، وأدوية المرضى، وهذا أمر ما عاد يصلح السكوت عنه، كما يقول. ويشير إلى أنّ الأيام المقبلة ستشهد تحركات أكثر فعالية على أرض الواقع، في حال لم تصحح الأجهزة التنفيذية مسارها بالوقوف إلى جانب المواطن في مواجهة التجار.