أكثر من مجرّد فستان

أكثر من مجرّد فستان

09 ديسمبر 2018
رانيا يوسف (عمرو مراغي/ فرانس برس)
+ الخط -
وصف فستان رانيا يوسف بأنه "يحرّض على الفسق والفجور وإغواء القصّر ونشر الرذيلة، من خلال مخالفة الأعراف والتقاليد والقوانين السائدة في المجتمع المصري"، هو أحد أشكال العنف الذكوري الذي تتعرض له النساء سواء في مصر أو في بلدان عربية عديدة. كما أن استدعاء رانيا يوسف إلى المحاكم والتحقيق معها مدة أربع ساعات، على خلفية ارتداء فستان هو أبرز تعبير عن السطوة الذكورية للمجتمع، عدا عن حشد المؤسسات القضائية والإعلامية والتشريعية لتقويض النساء ومكانتهن.

من يتابع أفعال أجهزة السلطة الذكورية على خلفية فستان، يعتقد أنه ليس هناك من أولويات للعمل عليها في مصر في الأجهزة القضائية والتشريعية والحكومة غيره. وتداعت ردود الفعل الرسمية، وطالب أعضاء في البرلمان لجنة الثقافة والإعلام والآثار ووزارة الثقافة بـ "معاقبة" رانيا يوسف وعدم دعوتها للمهرجانات مستقبلاً. وطُلب من أجهزة الأمن الوطني ووزارة الداخلية تقديم بلاغات ضد رانيا "حفاظاً على أخلاق المصريين".

قد يكون الحدث بالنسبة لرانيا يوسف والمجتمع المصري هو الفستان. لكنها في الحقيقة قضية تتجاوز حالة فردية ولا تقتصر فقط على فستان. ما حدث هو "أوقح" أشكال التعبير عن ذكورية المجتمع المصري، التي زادت حدّتها خلال السنوات الأخيرة، نتيجة التطرف الديني والإسلامي. ولا يتوانى هذا المجتمع الذكوري، وجنوده المكرّسون للدفاع عنه، عن توفير أي فرصة أو حادثة للسيطرة على النساء وأجسادهن، في إطار "الاستحقاق الجنسي الذكوري النابع بدوره من خوف ذكوري دفين من النساء وأجسادهن".

هذا الشعور بالاستحقاق الجنسي الذكوري يأخذ أشكالاً عدة، كالتحرش الجنسي بالنساء في الشوارع أو في أماكن العمل، أو السيطرة على النساء من خلال تعنيفهن، أو اللجوء إلى السلاح الثقافي المتخلّف و"تشويه سمعتهن"، وغيرها من الأدوات الممنهجة التي يفرزها هذا النظام للسيطرة على النساء وأجسادهن.

أجبرت رانيا يوسف على الاعتذار. اعتذرت عن حريتها وعن حقها. وفي اعتذارها، استخدمت أداةً من الأدوات الذكورية حين أشارت إلى أنها كانت برفقة شقيقها في المهرجان الدولي. حاولت الالتفاف على المنظومة الذكورية مستخدمة نفس أدواتها، وإثبات أنها كانت تحت "رعاية" وموافقة ذكورية - أبوية بدورها.




لكن ابنة رانيا الصغرى، التي لم تخضع بعد للأدلجة الذكورية، لم تتوان عن ضرب زميل لها في المدرسة، لأنه أعاد فرز النهج الثقافي السائد عبر التعرض لأمها بكلام ذكوري. في ضربها لزميلها، وجّهت ابنة رانيا يوسف ضربة للمجتمع الأبوي والذكوري في محاولة لإسكاته. في ظل ما تعانيه النساء من عنف ممنهج، ربما لن يكون الحل سوى بممارسة عنف مضادّ، أملاً ألا يتم "إسكات" البنات ولومهنّ على ردود فعل وتناسي قباحة الفعل.

المساهمون