شوارع المغرب لا تعرف الهدوء

شوارع المغرب لا تعرف الهدوء

10 نوفمبر 2018
من احتجاجات العاملين في القطاع الصحي (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -
مرّ عامان على مقتل بائع السمك محسن فكري في الريف المغربي، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات في مدينة الحسيمة والمناطق المجاورة، طلباً للعيش بحرية وكرامة، وتأمين فرص عمل خصوصاً أن منطقة الريف تقاسي في ظل التهميش والإقصاء الاجتماعي والبطالة، بحسب شهادات سكانها.

منذ ذلك الوقت، بدأت احتجاجات شعبيّة في مناطق أخرى في البلاد، كان أبرزها في صيف عام 2017 في منطقة زاكورة جنوب المملكة، حين خرج المئات للاحتجاج بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، ما سمي بـ "ثورة العطش". وانتهت احتجاجات الريف باعتقال العديد من الناشطين والحكم عليهم بالسجن. لكن في الوقت نفسه، حظي ناشطون بالعفو في أكثر من مناسبة دينية ووطنية.

ويعزو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو مؤسسة رسميّة مستقلة، تزايد الاحتجاجات ذات المطالب الاجتماعية خصوصاً في المناطق المهمشة، إلى كون "الفقر والبطالة في صفوف الشباب، والفوارق، قد أصبحت تتجاوز الحدود"، داعياً إلى "تعزيز العدالة الاجتماعية والمساءلة ومحاربة الفساد". ومنذ شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، شهدت البلاد احتجاجات جديدة شملت فئات اجتماعية ومهنية كان يُنظر إليها على أنها فئات أبعد من أن تخرج إلى الشوارع للاحتجاج، خصوصاً شريحة الأطباء الذين يعتبرهم المغاربة من ميسوري الحال. ولا يكاد ينتهي احتجاج حتى يبدأ آخر، ليشمل الممرضين والأساتذة والمكفوفين وغيرهم الكثير.



احتجاجات الأطباء كانت لافتة بشكل كبير. اعتاد المغاربة الخروج إلى الساحة المقابلة لمقر البرلمان للاحتجاج. وكانت هذه الساحة تحتضن غالباً العاطلين من العمل، أو الذين لديهم شكاوى فئوية. لكن خروج الأطباء عدّ منعطفاً مفصلياً في مسار الاحتجاجات في البلاد. ويُطالب الأطباء المغاربة بالترقية المهنية والمادية وصون كرامتهم أمام الاعتداءات التي يتعرضون لها، وهي مطالب يكررونها إما من خلال وقفات احتجاجية أو إضرابات عن العمل، من دون الاخلال بسير العمل في أقسام الطوارئ أو الإنعاش.

واللافت في ملف احتجاجات الأطباء أن الأمر تطور إلى حد تهديدهم بالهجرة الجماعية إلى الخارج. كما أن نحو 200 طبيب مغربي أعلنوا استقالتهم خلال أسبوعين فقط. ويقول الطبيب المستقيل فرج الدين قطبي، خلال حديث لـ "العربي الجديد"، إنهم أجبِروا على الاستقالة "ولم يكن الأمر في سياق موضة الاحتجاج كما يحلو للبعض أن يسمّيها". يضيف أن "السيل بلغ الزبى في ظل تعنت الحكومة وافتقادها للإرادة السياسية لتلبية مطالب الأطباء التي لا تستوجب ميزانية كبيرة ولا تعقيدات إدارية، بل فقط رغبة أكيدة في إنهاء غضب الأطباء". وتوقع أن تستمر الاحتجاجات إلى أن تستجيب وزارة الصحة لملفهم المطلبي.

رئيس الحكومة سعد الدين العثماني رد على احتجاج الأطباء المغاربة وتلويحهم بالهجرة الجماعية إلى خارج البلاد، قائلاً إن مطالب الأطباء تحظى بالدراسة، وأنه لا يحب أن يرى نزيف الأطباء وهجرتهم من البلاد، لكن الهجرة ظاهرة عالمية لا يمكن إنكارها.

وليس الأطباء وحدهم من اختار الشارع للاحتجاج، لكن أيضاً "ملائكة الرحمة" أي الممرّضين الذين خرجوا إلى الشارع مرات عدة خلال فترة زمنية قصيرة مطالبين بتوظيف الممرضين العاطلين من العمل في ظل النقص الكبير في الموارد البشرية، إضافة إلى الترقية، والتعويض عن المخاطر، وحمايتهم من اعتداءات بعض المرضى وعائلاتهم.

وعلى غرار الأطباء والممرضين، دأب العاملون في قطاع التربية والتعليم على الخروج إلى ساحة البرلمان التي لم تعد تخلو من الوقفات الاحتجاجية بشكل شبه يومي. ويطالب أساتذة يعملون بالتعاقد بترسيمهم ودمجهم في نظام الوظيفة العامة، وإرجاع الأساتذة الراسبين والمطرودين إلى عملهم من دون قيد أو شرط. إلا أن وزارة التربية تصر على أن "التعاقد لا يخول بأي شكل من الأشكال الحق في الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العامة".



وعدا عن الاحتجاجات الاجتماعية من أصحاب المهن مثل الأطباء والممرضين والأساتذة وموظفي التعليم، والتي تتكرّر أسبوعياً، فإن شوارع الرباط والدار البيضاء تشهد احتجاجات من قبل عاطلين من العمل، من أصحاب الشهادات العليا، إضافة إلى المكفوفين والناشطين، من قبيل الاحتجاج على فرض التجنيد الإجباري أو الاحتجاج على التوقيت الصيفي المستمر.

الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير تقول لـ "العربي الجديد" إنّ هذه الاحتجاجات الاجتماعية، خصوصاً من قبل أصحاب المهن، يمكن قراءتها من خلال زاويتين: الأولى هي أنها تنم عن جو الانفتاح وحرية التعبير في البلاد، بعدما باتت الاحتجاجات أمراً مسموحاً ما دامت في حدود احترام القانون والسلمية، عدا عن مساهمتها في تفريغ الغضب الاجتماعي من خلال الأشكال الاحتجاجية هذه. تضيف أن الزاوية الثانية تتمثّل في أن هذه الاحتجاجات في حال استمرارها وعدم الاستجابة ولو للحد الأدنى من المطالب، قد تتحول إلى عامل سوسيولوجي ونفسي يعيق تنمية المجتمع وتطوره بشكل سليم. ومع الوقت، يصبح الاحتجاج آلة مباشرة أمام كل من أراد تلبية مطلب ما. بالتالي، تزيد الأعباء على الدولة والسلطات، وتكتفي بردة الفعل عوض التفكير في ترقية المجتمع والبلد.