إبراهيم كيوان... معلم الرقص والفيزياء

إبراهيم كيوان... معلم الرقص والفيزياء

06 يناير 2018
الرقص لا يمكن أن يتحوّل إلى مهنة (حسين بيضون)
+ الخط -
كان مجرّد إعلان في جريدة. فرقة تطلب راقصين مبتدئين. لم يحدث يوماً أن استخدم جسده للتعبير، حتّى في لحظات وحدته. ولم يرَ نفسه يرقص على مسرح أمام جمهور كبير، وإن في أحلامه. إلّا أنّ هذا صار واقعاً من دون أن يكون حلماً أو شغفاً. وحين صدف أن وُجِد اللبناني إبراهيم كيوان (46 عاماً) المراهق، والذي لم يتجاوز 16 عاماً، بين مجموعة من الراقصين المحترفين، عرَف أنّ الموهبة كانت موجودة دائماً في داخله، وقد حان وقت ظهورها.

"بوب"، كما تناديه طالبته في الرقص الشرقي، عرف نفسه راقصاً قبل نحو ثلاثين عاماً. وإن كان يدرّب الرقص الشرقي، إلّا أنّه لا يعرّف نفسه على هذا النحو. وهذا ظُلم له أصلاً، إذ إنّه يتقن كلّ أنواع الرقص.

وفي المدرسة، يدرّس مادتي الحساب والفيزياء. بوب نفسه، الذي يرقص على إيقاع طبل أغنية "شيك شاك شوك" وغيرها، يعدّ تلاميذ الصفّ التاسع للشهادة الرسميّة. قبل أيّ شيء، هو مدرّس له هيبته في المدرسة، وصديق لتلاميذه. وإن كانوا يعرفونه بكونه راقصاً، وأستاذاً للرقص، إلّا أنّ هذا لم يدفعهم إلى الاستهزاء يوماً، وإن كانوا ينتمون إلى مجتمع يرفض أن يكون الشاب راقصاً. هذا ما يؤكّده إبراهيم.

نعود إلى ذلك اليوم الذي قرأ فيه الإعلان في الصحيفة. من دون أن يخبر أحداً، قصد الفرقة (جان صقر للفنون الشعبية)، التي كانت تؤدّي حركات أمام المتقدّمين، وتطلب منهم أداءها. في النهاية، اختير إبراهيم، بالإضافة إلى 16 فتاة، من بين نحو 400 متقدّماً. وبدأ تدريباته على مختلف أنواع الرقص، الفولكلوري والكلاسيكي والتعبيري وغيرها. يقول: "كلّ ما حدث معي كان صدفة. كنت أحبّ الموسيقى فقط".

بداية، كان يتدرّب ثلاثة أيام في الأسبوع، وقد أقنع أهله أنّه يدرس مع أصدقائه. وفعلاً، كان يأخذ كتبه معه إلى التمارين. بعدها، صارت التدريبات يوميّة. "ماذا سأفعل؟". لم يكن منه إلّا أن كرّر حاجته إلى الدراسة مع أصدقائه، وسار كلّ شيء على ما يرام، إلى أن اختير للسفر إلى الإمارات العربيّة المتّحدة للرقص على المسرح مع المغنية اللبنانية ماجدة الرومي. وقبل ساعة من توجّهه إلى المطار، أخبر عائلته أنه مسافر مع المدرسة. ما زال يذكر هذه التجربة حتى اليوم. قبل أن يصعد إلى المسرح، شعر بأنّه غير قادر على التنفّس. لكنّه في الحقيقة تنفّس ورقص وعُرضت الحفلة على التلفزيون. "حين عدت إلى البيت، عاتبني أهلي لأنّني لم أخبرهم بمشاركتي في الحفل حتى يشاهدوني". والفضل للتلفزيون الذي خفّف الصدمة على أهله، خصوصاً والده، ولم يعد الرقص سرّاً.

يقول إبراهيم إنّ الرقص لا يمكن أن يتحوّل إلى مهنة في لبنان. لذلك، حرص على الاستمرار في مهنته كمدرّس "لهذه المهنة استمراريّتها. وفي النهاية، أحتاج إلى الحصول على تعويض نهاية الخدمة. وهذا ما لا يؤمّنه الرقص". ويلفت إلى أنّ الأمر مختلف في الخارج "الراقص لا يفعل شيئاً غير الرقص".



وكما لم يتوقّع أن يصير راقصاً، لم يكن التعليم مدرجاً على قائمته. وإن بدا الرقص والتدريس غريبَين معاً، أقلّه للآخرين، الأمر كان مختلفاً بنظره "التدريس مهنة والرقص هواية". بعد تخرّجه من المدرسة، بدأ بدراسة الطب. وفي نهاية سنته الثالثة، كان في حاجة إلى العمل. من جهة أخرى، كان مصرّاً على التخصّص في جراحة الأطفال. ولأنّه لم يرغب في السفر إلى الخارج، ترك الطب. الصدفة مجدّداً جعلته مدرّساً. بعد عام، عرف أنّ هذه ستكون مهنته، وقد أحبّها، وتعلّق بتلاميذه. بموازاة عمله، التحق بكليّة الفنون في الجامعة اللبنانيّة في بيروت، وتابع تدريباته على مختلف أنواع الرقص، باستثناء الشرقي. يقول: "في وقت لاحق، تعلّمته بنفسي بدافع الفضول"، وبات قادراً على تعليمه. بدأ ذلك بعدما ملّ من الرقص على المسرح، هو الذي زار أكثر من 80 بلداً مع الرومي، وقدّم عروضاً مختلفة أخرى. اختار نقل خبرته إلى الآخرين، وقد عمل مع فرقة الراقصة أماني، حتى أنّه يدرّب فتيات أجنبيّات على الرقص الشرقي، معلّقاً: "ينقصهنّ الحسّ الشرقي".

على الرغم من سنواته الطويلة في التدريس والرقص، لم يحقّق حلمه بعد. الأطفال هم شغفه في الحياة، ويحلم أن يؤسّس حضانة أطفال. عدا عن حبّه للصغار، يرغب في أن يثبت أنّ الرجل أيضاً قادرٌ على حبّ الأطفال ومنحهم الاهتمام الذي يحتاجون إليه. برأيه، لا يمكن حصر الأمر بالمرأة.

ماذا عن موقف عائلتك منك اليوم؟ يختصر الإجابة في عبارة واحدة، وهي أنّه يدرّب بنات شقيقاته وأشقائه على الرقص، ويبتسم. أمّا في المدرسة، فإنّ إبراهيم المدرّس الذي له هيبته، يشارك في تنظيم حفلات نهاية العام، حتّى أنّ أمهات تلاميذه يلتحقن في صفوفه للتدرّب على الرقص.

يقول إنّه "على الراقص أن يعرف كيفيّة الاستماع إلى الموسيقى". بالنسبة إليه، الرقص الشرقي ليونة. وما على الراقص إلّا استخدام جسده والاستجابة للإيقاعات والأنغام التي يسمعها. كذلك، يرى أنّ الرجل يمكن أن يكون مدرّساً للرقص الشرقي، وليس راقصاً، أو "يجب أن يرتدي بدلة الرقص الشرقية. وهذا ليس ممكناً". يأسف لأنّ المواهب قلّت، ربّما لأن "الهدف هو جمع المال". بالنسبة إليه، الرقص الشرقي هو أرقى أنواع الرقص، وإن كان الرقص التعبيري هو الأحب إلى قلبه "في الماضي، كان الرقص وسيلة لتقديم القرابين للآلهة والصلاة". وإلى أولئك الذين ينظرون بدونية إلى هذا الرقص، يقول: "نحن الذين حوّلناه إلى وسيلة". بقي لديه حلم، وهو أن يفتتح مدرسة لتعليم نوع رقص جديد، يدمج فيه كلّ أنواع الرقص.

دلالات