السجائر ضد الغذاء في اليمن

السجائر ضد الغذاء في اليمن

16 يناير 2018
تنسيه همومه ومشاكله (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يمنع ارتفاع أسعار السجائر عدداً كبيراً من المدخنين في اليمن من شرائها. وما زال كثيرون يشترون السجائر على حساب المتطلبات الأساسية للأسرة من خدمات وغذاء، ما يحرم أطفالهم من ضروريات أخرى. ويجد المدخنون في اليمن مبررات كثيرة تجعلهم يتمسّكون بالتدخين رغم أن شراء السجائر قد يزيد أوضاع أسرهم المعيشية سوءاً. ويرى البعض أن التدخين وسيلة لتجاوز الهموم والمشاكل الناتجة عن الأوضاع المأساوية الناتجة عن الحرب.

يقول بندر إبراهيم، وهو موظف حكومي في صنعاء لم يتقاض راتبه منذ أكثر من عام: "سابقاً، كنت أدخن علبة سجائر محلية يومياً. وفي الوقت الحالي، أدخن علبة ونصف العلبة أو علبتين رغم ارتفاع سعر السجائر بنسبة مائة في المائة تقريباً". ويؤكّد لـ "العربي الجديد" أنّ ارتفاع أسعار السجائر لم يمنعه من التدخين، لافتاً إلى أنّه يقضي فترة ما بعد الظهر في تخزين القات مع أصدقائه وتدخين السجائر ومناقشة الأوضاع، التي تمر بها البلاد "وذلك هرباً من الفراغ القاتل الذي أشعر به بعدما توقفت الأعمال ومصادر الدخل". يضيف أنّه يحاول توفير قيمة السجائر من دون أن يؤثّر الأمر على الاحتياجات الأساسية للأسرة، وغالباً ما يلجأ إلى الاقتراض من الدكان.

يوضح إبراهيم أن التدخين يساعده على نسيان همومه ومشاكله، ويخفف من معاناته النفسية نتيجة الحرب. يضيف: "هذه الخدمة التي يقدمها لي التدخين تستحق أن أتنازل عن بعض المشتريات والخدمات لتوفيرها".

إصرار بعض أرباب الأسر على التدخين، رغم الارتفاع الكبير في أسعارها، وعدم قدرتهم على توفير احتياجات أسرهم، تسبب في نشوب مشاكل عائلية تطور بعضها إلى انفصال الزوجين. هذا ما حدث مع زهرة التي تعيش في صنعاء والتي انفصلت عن زوجها بسبب خلافات أسرية كان التدخين المفرط أحد أهم أسبابها. تقول زهرة لـ "العربي الجديد": "خسر طليقي العمل مع بداية الحرب، وبدلاً من أن يسعى إلى إعادة تنظيم وضعنا المالي والمعيشي للتكيف مع الوضع الجديد الذي فرضته الحرب، من خلال التقشف والتخلي عن الكماليات أو تقليلها، أكثر من شراء السجائر وأفرط في مضغه نبتة القات". وتشير إلى أن هذا السلوك كان أحد أسباب انفصالهما بعدما فشلت محاولات التقريب بينهما.

تضيف زهرة: "كان من الصعب الاستمرار في العيش مع شخص لا يشعر بالمسؤولية. كيف أشعر معه بالأمان وأطمئن لوجود أولادي معه وهو لا يستطيع توفير حياة كريمة لهم، ويقضي وقته في مضع القات وشراء السجائر، فيما لا يجد أولاده ما يأكلونه أحياناً؟".



على المقلب الآخر، أقلع عبد الرحمن فضل عن التدخين بشكل نهائي منذ أكثر من ثمانية أشهر، بعدما وجد نفسه مخيراً بين شراء السجائر أو شراء الغذاء لأولاده. يقول لـ "العربي الجديد": "أشعر أن الحرب جاءت لصالحي لأنها كانت سبباً في أن أقلع عن التدخين بشكل نهائي"، مشيراً إلى أنه فضل أن يترك عادة التدخين كي يوفر ما لديه من مال من أجل أفراد أسرته. "كنت أدخن علبة سجائر يومياً. في الوقت الحالي، لا أرغب في العودة إلى التدخين حتّى لو تحسن وضعي المعيشي إلى ما كان عليه سابقاً".

ووصل سعر علبة السجائر المستوردة إلى 950 ريالاً يمنيّاً (نحو 3.8 دولارات)، فيما ارتفع سعر تلك المصنعة محلياً إلى 400 (نحو 1.6 دولار) أو 550 ريالاً (نحو 2.2 دولار) للعلبة الواحدة. يقول مالك متجر في صنعاء، خالد حسين، إن ارتفاع أسعار السجائر لم يقلّل من عدد زبائنه المدخنين، مشيراً إلى أن الشركات المحلية بدأت تُصنّع سجائر رخيصة الثمن، يتراوح سعرها ما بين 200 و250 ريالاً يمنيّاً، مبيّناً أن عدداً كبيراً من زبائنه "يشترون السجائر على حساب مواد غذائية لأسرهم". في الوقت نفسه، يؤكد أن آخرين أقلعوا عن التدخين بشكل نهائي.

في السياق، يقول مدير العلاقات العامة في الشركة الوطنية للتبغ والكبريت، كمران محمد الحاشدي، إن مبيعات الشركة تقلصت إلى أكثر من 50 في المائة، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن القوة الشرائية للمدخنين في اليمن الآن ضعيفة للغاية، ما جعل الشركة تحرص على تصنيع سجائر، سعرها قريب من سعر السجائر المهربة.

إلى ذلك، تفيد إحصاءات رسمية يمنية بأنّ 85 في المائة من الرجال مدخنون، في مقابل 30.2 في المائة من النساء. وثمّة 3.4 ملايين مدخّن على مستوى البلاد، أعمار 29.2 في المائة منهم تتراوح بين 17 و24 عاماً. وتوضح دراسة ميدانية أعدّت حديثاً أنّ اليمنيين يدخنون 6.4 مليارات سيجارة سنوياً، أي ما يعادل 317.5 مليون علبة سجائر، بواقع 870 ألف علبة يومياً.