طيور تتفوّق على الحكومات

طيور تتفوّق على الحكومات

12 يناير 2018
أبو زريق على رأس عمله (غيورغ ويندت/ فرانس برس)
+ الخط -
كثيرون يجهلون فوائد الطيور، أو يحلو لهم اصطياد أيّ نوع من الطيور من دون معرفة مدى الضرر الذي يحدثونه للبيئة، فإلى هؤلاء وإلى كلّ من يحب الطبيعة ومن يرغب في زيادة معرفته، هناك طيور تستحق أن تحمل لقب "حماة الغابات" وهي: فاقس الجوز (Nuthatch)، وكاسر الجوز (Nutcracker)، وأبو زريق (Eurasian Jay)، وأبو زريق الأزرق (Blue Jay)، وسن المنجل (Tit /Chickadee)، ونقار الخشب (Woodpecker).

إذاً، هناك ستة أجناس على الأقل في العالم، منها أربعة أجناس في لبنان، تقوم بنثر بذور الأشجار وغرسها، خصوصاً البلوط والسنديان والصنوبر والأرز والشربين والشوح واللزاب. وأجناس لبنان الأربعة هي: فاقس الجوز، وأبو زريق، وسن المنجل، ونقار الخشب. بالطبع، هناك طيور أخرى تأكل البذور والحبوب، كالحمام والدوري والشحرور والخضيري والحسون والسمن والكيخن وغيرها، لكنّها لا تغرسها في تراب الغابات بل تكتفي بنثر البذور هنا وهناك.

الأجناس الأربعة التي تزرع البلوط والجوز والبندق والفستق والحبوب والبذور تعمد إلى ذلك عن غير قصد، فغايتها أن تخبئ المؤونة لأيام الشتاء الصعبة. أبو زريق يخبئ 3 آلاف ثمرة بلوط في الموسم الواحد، ونقار الخشب يخبئ 10 آلاف ثمرة بلوط في الموسم الذي يسبق الشتاء. كذلك، يدفن فاقس الجوز وسن المنجل أنواعاً مختلفة من الحبوب بمعدل 5 آلاف حبة في الموسم. هذه الطيور معرضة لنسيان الأماكن التي خبأت فيها المؤونة لكنّ النمو المفاجئ لقسم الذاكرة في الدماغ عندها من دون غيرها في الخريف والشتاء يساعدها على العودة إلى ما خبأته من مؤونة في الفصل البارد، خصوصاً أنّ جميع هذه الطيور قاطنة وليست مهاجرة، أي لا تستطيع الهجرة إلى أماكن أكثر دفئاً في الجنوب كي تحصل على الغذاء. مع ذلك كلّه، فإنّ بعض ما تخبئه تنسى أماكنه فيخرج من الأرض نبتة صغيرة تنمو لتحلّ مكان الأشجار الميتة ولتزيد من مساحات الغابات.

لعلّ الطائر صاحب الذاكرة الأقوى في هذا المجال هو طائر سنّ المنجل المعروف عنه أنّه دليل صحة غابات الأرز التي يخلصها من الآفات الفتاكة. ولقد تم تقدير ما ينساه أبو زريق بعشرين جوزة بلوط من أصل 3 آلاف. وأجرينا سابقاً دراسة تبين أنّ في لبنان على الأقل 136 ألف زوج من أبو زريق. وعليه، فإنّ ما يزرعه هذا الطائر من دون أن يأكله هو 5.500.000 نبتة صغيرة في الموسم بالسنة، يموت منها، بحسب الدراسات الأوروبية، 18 في المائة، وتلتهم المواشي وحيوانات أخرى 27 في المائة، ويقضي الإنسان على 20 في المائة من خلال أنشطته المتعددة، فيبقى مليونا شجيرة على قيد الحياة.

هذا ما يفعله نوع واحد من الطيور، بينما الحكومات تتباهى بأنّها زرعت مليون شجرة أو أنّها تخطط لزراعة مليوني شجرة.

*اختصاصي في علم الطيور البرية

دلالات

المساهمون