هوائيات الجوال على أسطح تونس

09 اغسطس 2017
يركّزون جهازاً على أحد المباني (فيليب أوغن/فرانس برس)
+ الخط -

يسعى تونسيون كثر إلى تأجير أسطح منازلهم كمحطات لهوائيات الهواتف الجوالة، سواء أكانوا مدركين أم غير مدركين لما يمثّله ذلك من خطورة على صحتهم. لا يشغلهم سوى التفكير في ما يحقّقه ذلك لهم من أرباح مالية تتراوح ما بين 500 و1500 دولار أميركي شهرياً. في المقابل، يشكو آخرون من تلك الأجهزة ومن خطورة الأشعة المنبعثة منها، ولعلّ آخر الاحتجاجات على ذلك نفّذها الأسبوع الماضي أهالي مدينة سليمان في محافظة نابل، أمام مبنى ركّزت على سطحه إحدى شركات الاتصال الخاصة محطة للهواتف الجوالة. يُذكر أنّ المنطقة مأهولة بالسكان وتقع على بعد أمتار من سكن جامعي ورياض أطفال.

يحمّل الأهالي المحتجّون المسؤولية إلى النيابة الخصوصية التي منحت الشركة ترخيصاً يسمح لها بتركيز تلك الأجهزة، بحسب ما يشير محمد العامري وهو أحد المحتجين. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّهم يطالبون بتدخل الوكالة الوطنية للترددات، بهدف منع مواصلة تركيز تلك الأجهزة في المجمّعات السكنية.

وتنتشر هوائيات الهواتف الجوالة على أسطح المباني السكنية، إذ إنّ شركات الاتصالات تسعى إلى توفير أفضل تغطية ممكنة لشبكاتها، فتستأجر أسطح المنازل هرباً من التكلفة المرتفعة لبدلات إيجار الأراضي وندرة تلك المساحات في المناطق العمرانية. تجدر الإشارة إلى أنّ تركيز المحطات ضمن منطقة سكنية تتلاصق فيها المباني ويكثر سكانها، أمر مخالف للقانون. وهذا ما شجّع البعض على الاحتجاج، رافضين أن تكون تلك المحطات قريبة من مقرات سكنهم، نظراً إلى التأثيرات السلبية لإشعاعاتها.

عبد الرحمن واحد من الذين أجّروا أسطح منازلهم كمحطات لهوائيات الهواتف الجوالة، يقول إنّه لا يرى ضرراً في ذلك، نافياً وجود أيّ تقارير تقول بخطورة الأمر على صحة الناس. يضيف باستهزاء: "لم أسمع بأحد مرض أو دخل المستشفى بسبب تلك الأجهزة".

محطة على سطح مبنى سكني (العربي الجديد)


ونظراً إلى البدل المغري لإيجار سطح مبنى ما، فإنّ بعض أصحاب المنازل يوافقون على تركيز تلك الأجهزة على عقاراتهم، وهو ما يدفع ببعض الجيران إلى رفع قضية اعتراضا على ذلك. وتوقّع شركات الاتصالات عقود إيجار شهرية أو سنوية لأسطح منازل أو مبانٍ يوافق أصحابها على نصب أبراج الهواتف عليها. وتودَع تلك العقود لدى الوكالة الوطنية للترددات للحصول على تراخيص لنصب الأبراج بعد الأخذ برأي البلدية التي تتحقق من مدى احترام المعايير المحددة. وغالباً ما يكون الرد إيجابياً على خلفيّة الاتفاق الحاصل بين المشغّل والمؤجّر.

ومن شروط منح التراخيص ضمان موافقة جميع الجيران على تركيزها، لكنّ هذا الشرط لا يُطبق في بعض الأحيان، بسبب جهل كثيرين بضرورة ذلك. يُذكر أنّ الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات شدّدت على ضرورة تجنّب تركيز محطات إرسال الهواتف الجوالة قبالة الشرفات والنوافذ والحواجز المعدنية، إذ من شأنها أن تعكس الذبذبات وتضاعف من تأثيراتها السلبية المحتملة. كذلك يُمنع تركيز تلك الأجهزة على مسافة تقلّ عن 100 متر، عن المواقع الحساسة، مثل المؤسسات التربوية ورياض الأطفال والمؤسسات الاستشفائية ومراكز الإقامة الخاصة بكبار السنّ. كذلك، لا بدّ من وضع سياج حول أجهزة الالتقاط وإشارات تدلّ على الخطر، مع ضرورة إعلام سكان المباني بالتأثيرات السلبية للذبذبات التي قد تنتج عن تلك الهوائيات.

محطة أخرى على مبنى سكني آخر (العربي الجديد)


تجدر الإشارة إلى أنّ تعميماً مشتركاً كان قد صدر عن وزراء الصحة والداخلية والتنمية المحلية وتكنولوجيّات الاتصال، يتوجّه إلى رؤساء البلديات والوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات، ينصّ على ضرورة التقيّد بالشروط المحددة عند تركيز هوائيات محطات الهواتف الجوالة.

على الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية من خطورة تلك المحطات، ومع غياب الدراسات العلمية الدقيقة حول مدى هذا الضرر، فإنّ أطباءً كثرين يؤكدون احتمال وقوع الضرر. ويشير الدكتور في الطب العام، فتحي عوني، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "دراسات أجنبية عدّة أكّدت وقوع الضرر على الجميع، خصوصاً على الأطفال وكبار السنّ. والأعراض تكون عادة آلاماً في الرأس ونقصاً في السمع وخمولاً في الجسم". يضيف عوني أنّ "غياب الدراسات في العالم العربي وقلة الوعي يصعّبان على الناس تصديق مثل تلك الأمور. لكنّه لا بدّ من أن يدرك الجميع أنّ ذلك يمثّل خطراً، لا سيّما في حال كانت تلك الأجهزة مركّزة بكثرة في بعض المناطق من دون أن تراعي الشروط المحددة".