ستالين بعد ثمانين عاماً

ستالين بعد ثمانين عاماً

28 اغسطس 2017
تبكي ستالين (نيكيتا شفيتسوف/ الأناضول)
+ الخط -
يصادف الشهر الجاري ذكرى مرور 80 عاماً على أكبر حملة اعتقالات وقمع في عهد الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين، والتي أسفرت عن اعتقال أكثر من 1.5 مليون شخص وإعدام نحو 680 ألفاً منهم، في أقل من عام ونصف العام. وتحيي روسيا هذه الذكرى الحزينة من خلال مجموعة من الفعاليات، بما فيها إقامة "جدار الحزن" وسط موسكو، ليضم أحجاراً من معسكرات العمل الإجباري المعروفة باسم "غولاغ". وحتى اليوم، يسأل المؤرّخون عن الأسباب التي أدت إلى هذه الفاجعة، وكيف يمكن استبعاد احتمال تكرارها في المستقبل.

ويرى المؤرخ سيرغي بوندارينكو، الذي يعمل في المنظمة الحقوقية "ميموريال"، أن انقسام المجتمع السوفييتي عشية "الإرهاب الكبير" بلغ مرحلة "حرب أهلية غير معلنة"، والأمور كانت تسير نحو حملة قمعية واسعة النطاق. ويقول لـ "العربي الجديد": "بعد اغتيال القيادي في الحزب الشيوعي سيرغي كيروف في عام 1934، سارت الأمور نحو إطلاق حملة لمواجهة أعداء الشعب، وبدأ تأسيس معتقلات جديدة في تطور لشكل العلاقة بين الدولة والمجتمع بعد ثورة عام 1917".

وحول شخصيّة ستالين الذي عُرف بارتيابه الجنوني، يقول بوندارينكو: "بالفعل، كان ستالين يتسم بهذه الصفة. فقبل وصوله إلى السلطة، كان يعمل في السر وتشكلت لديه منظومة خاصة به". ويستبعد احتمال عدم علم ستالين بالقمع في عهده، قائلاً: "في ظل هرم السلطة الذي كان قائماً في الاتحاد السوفييتي، كان تنفيذ أي حملة من دون علم ستالين أمراً مستحيلاً، بل كان ذلك قراره هو شخصياً مع المقربين منه، ضمن ما يعرف بـ "حزب داخلي" ضم ما بين 10 و20 شخصاً".

لم تقتصر حملة القمع الستاليني على الترويع والإرهاب السياسي، إذ وضع العمل الإجباري قاعدة للبنية الاقتصادية للاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، وشمل ذلك بناء أكبر أربع قنوات مائية في البلاد، ومشاريع تعدين وتنقيب، وسكك حديد، ومدنا كاملة يقع بعضها في الشرق الأقصى وأخرى داخل الدائرة القطبية الشمالية.

إلا أن بوندارينكو يشكك في الجدوى الاقتصادية لـ "غولاغ"، قائلاً: "صحيح أنه كان من المستحيل تحقيق مثل هذه المشاريع الضخمة خلال فترة وجيزة بأساليب إنسانية، لكن من وجهة النظر الاقتصادية البحتة، فإن حصة غولاغ، حتى في سنوات ازدهاره، بلغت 3 في المائة فقط من الاقتصاد السوفييتي، ناهيك عن تساؤلات حول فاعلية العمل الإجباري".
بعد تجاوز ذروة "الإرهاب الكبير" بين عامي 1937 و1938، بدأ القمع الستاليني في التراجع، لكنه استمر حتى بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) إلى حين وفاة ستالين في عام 1953.



وبعد تولّيه زمام السلطة في البلاد، قدّم زعيم الاتحاد السوفييتي الجديد، نيكيتا خروتشوف، في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في عام 1956، وهو أول مؤتمر بعد وفاة ستالين، تقريراً ندّد فيه بعبادة الفرد وجرائم ستالين وديكتاتوريّته.

وفي هذا الإطار، يشير بوندارينكو إلى أن خروتشوف كان له دور كبير في اعتراف الدولة بحدوث ممارسات قمعية في الحقبة الستالينية. إلا أن الملاحقات لدوافع سياسية، ولو على نطاق محدود، استمرت حتى عهد "بيريسترويكا" في منتصف الثمانينيات.

وجد "الإرهاب الكبير" والدماء التي سالت، صدى ومكانة هامة في الثقافة والأدب والفنون الروسية، وذاع صيت معسكرات العمل الإجباري في العالم بفضل رواية "أرخبيل غولاغ" للكاتب ألكسندر سولجنيتسين (1918 - 2008)، الحائز على جائزة نوبل للأدب، الذي استند في عمله إلى شهادات 257 معتقلاً إضافة إلى تجاربه الشخصية.
ويوجد في موسكو متحف تاريخ غولاغ الذي ينقل زواره إلى أجواء المعتقلات الستالينية، ويضم صوراً من الأرشيف، مثل أوامر الاعتقال والإعدام بحق "عناصر معادية للسوفييت"، ومتعلقات شخصية للمعتقلين وأدوات العمل بالمعسكرات.

لكن بعد مرور ثمانية عقود، يمحو الزمن من وعي الأجيال الجديدة ارتباط القمع باسم ستالين، إذ أظهر استطلاع للرأي أعدّه "صندوق عموم روسيا لدراسة الرأي العام" مؤخراً، أن أكثر من 60 في المائة من المستطلعة آراؤهم يرون أنه يجب وضع لوحات تذكارية وتماثيل نصفية تتحدث عن نجاحات ستالين في الأماكن العامة، ومعارضة وضع علامات تكشف عن فشله وجرائمه.

ويوضح بوندارينكو أنّ "من تزيد شعبيّته هو شخصيّة ستالين الأسطورية، في ظل التستر على الإرهاب من خلال النصر في الحرب العالمية الثانية"، لافتاً إلى أن القضية تتطلب نقاشاً مجتمعياً على نطاق أوسع. يضيف: "هناك نحو 100 ألف ملف ضمن قضايا القمع مودعة في الأرشيف. وفي حال تداولها، لما كان هذا الجدل، وما حظي ستالين بشعبية".
يذكر أن "الإرهاب الكبير" انطلق بعد صدور أمر الشرطة السرية السوفييتية (إن كيه في دي) في نهاية يوليو/ تموز في عام 1937، والذي حدد فئات السكان المراد قمعهم وأعدادهم، الأمر الذي يعد الأكثر دموية في التاريخ.

وفي أغسطس/ آب في عام 1937، بدأت عمليات واسعة النطاق للإعدام رمياً بالرصاص، لتستمر حتى نوفمبر/ تشرين الثاني في عام 1938، بإعدام نحو 1500 شخص يومياً.