الرصيف في المغرب... بين جشع التجار ولجوء المتسوّلين

الرصيف في المغرب... جشع تجار وملجأ للتسوّل وهروب من البطالة

02 اغسطس 2017
يشتكي المواطنون من استغلال الرصيف (فيسبوك)
+ الخط -
تحضر على الرصيف في المغرب، مشاهد متناقضة قد تروي بمجملها حكاية مجتمع برمّته، حيث يجتمع فيه تجار جشعون يستغلون حيزا عاما لتحقيق المزيد من الأرباح، ويحضر باعة جوالون يهربون من البطالة إلى "احتلال" الرصيف، كما يحضر متسوّلون؛ وبين هؤلاء جميعاً يخرج "هائم على وجهه" ليعزف الموسيقى على إيقاع أصوات الباعة والمتسوّلين مقابل حفنة من المال، فيما تجد الجريمة نافذة لها كي تتسرّب إلى المشهد، بلباس المخدرات والدعارة.

بعض المواطنين ونشطاء المجتمع المدني المنضوون تحت لواء تنسيقيات محلية، تنصب شكواهم مما يحصل للرصيف على استغلال الملك العمومي الذي يقوم به أرباب ومالكو المقاهي في مختلف المدن المغربية.

يقول خالد الصافي، أحد سكان مدينة الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب)، لـ"العربي الجديد"، إن "استغلال الرصيف من طرف أصحاب المقاهي يتم على مرأى من السلطات، لكنها لا تتحرك إلا بعد شكايات عديدة متغافلة خطورة هذا الأمر وما ينجم عنه من عرقلة السير العادي للراجلين، الذين يضطرون إلى مزاحمة السيارات وبالتالي المغامرة بأرواحهم".

ويستدل على ذلك بعدد من حوادث السير كان شاهدا عليها، داعيا الجهات المسؤولة إلى تغليظ العقوبات لكل من ثبت بحقه خرق القانون واستغلال هذا المرفق العمومي، وعدم التساهل مع من يتبجحون بدفع رشى تمكنهم من التمادي في هذا الاستغلال.

بدوره، يؤكد الناشط في المجتمع المدني عز العرب السفياتي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجشع يدفع أصحاب المقاهي إلى استغلال الأرصفة العمومية المعدة أصلا للراجلين، وتحويلها إلى فضاء تابع للمقهى، بغرض توسيع المجال لتجارتهم ومضاعفة أرباحهم على حساب الملك العمومي، ورغم أن القانون الجبائي يتحدث في هذا الإطار عن صف واحد من الكراسي بمعنى طاولة واحدة، إلا أن معظم أرباب المقاهي يعمدون إلى مضاعفة هذه المساحة ثلاث أو أربع مرات، والدلائل كثيرة من مختلف المدن المغربية، خاصة تلك التي تعرف رواجا واضحا خلال العطلة الصيفية".


ولا يكتفي أصحاب المقاهي بوضع الطاولات والكراسي فقط بشكل مخالف للقانون، بل يتفننون في رصّ المزهريات العملاقة، وتوفير خدمات الواي فاي والمكيفات استقطابا للزبائن.

وفي ظل الشكايات المستمرة التي توجه للسلطات، "تقوم هذه الأخيرة بحملات تمشيطية بين الفينة والأخرى لتحرير الملك العمومي من قبضة المستغلين، لكن دون أن تتمكن من وضع حد لهذه الظاهرة، لتعقد مسطرة الحجز التي تتطلب إعداد محضر يوقع عليه عمدة المدينة التي يتبع لها المقهى أو الرئيس المعني، وثانيا لكون الأمر بالتحصيل يتطلب وقتا طويلا يكون في صالح مالكي هذه المقاهي"، يوضح عز العرب.

يعكس الكثير من التمظهرات بالمجتمع (Getty)


من جهته، يوضح مصدر في مصلحة الجبايات أن هذه الأخيرة حددت المساحة المسموح باستغلالها بالنسبة للمقاهي بالثلث لصاحب المقهى، والثلث للهواء والثلث للمارة، قبل أن يتم تحديد المساحة بما بين 18 و24 مترا مربعا، مشيرا إلى أن أرباب المقاهي يجدون الحجج والحيل المواتية للتلاعب وعدم احترام القانون وتشويه المنظر العام بما يقومون به من سلوكيات يحركها الجشع والرغبة في الكسب.

ولا يسلم الرصيف أيضا من الباعة الجائلين أو من يطلق عليهم بالعامية المغربية "الفراشة" الذين يفترشونه لعرض سلعهم وبضائعهم، فيرتفع صخبهم وضجيجهم بحثا عن الرزق، وهروبا من البطالة والتسول في ظل عجز الدولة عن توفير فرص شغل لهم.

وفي كل مرة تسعى السلطات المحلية إلى تحرير هذا الرصيف واستعادته كفضاء مشترك، تصطدم بأشكال من التحايل من طرفهم، نظرا لكونهم أصبحوا يشكلون في ما بينهم أشبه بشبكة منظمة لها عيون في كل مكان، تمدهم بآخر الأخبار عن لجان التفتيش والحملات التمشيطية، بحسب توضيحات عون سلطة، رفض الكشف عن اسمه، مؤكدا أنه ورغم مجهوداتهم لاستئصال الباعة المتجولين ومصادرة سلعهم، إلا أنهم سرعان ما يستأنفون أنشطتهم في اليوم التالي.

لا يسلم الرصيف من المتسولين (Getty) 


ويبين أن استغلال الأرصفة  يجر على الدولة تبعات سلبية تعكس الوجه البشع للمدينة عبر أطنان النفايات المتراكمة التي يتركونها وراءهم، وكثرة الشجار والسباب بين الباعة، وأحيانا الترويج للمخدرات عبر هذه النقط الثابتة.

غير أن للبائع المتجول جمال سيف الدين (25 عاما)، وجهة نظر أخرى، فهو يعتبر أن الرصيف انتشله من الحاجة والتسول في ظل عجز الدولة عن توفير فرص العمل للشباب، وهو حاصل على شهادة البكالوريا، داعيا إلى ضرروة توحيد الرؤى والجهود لتوطين الباعة المتجولين وليس القضاء عليهم بشكل نهائي مراعاة لظروفهم الاجتماعية، موضحا لـ"العربي الجديد"، أنهم يشتغلون بعرق الجبين لكسب رزق الأبناء والاستعانة على مصاريفهم اليومية.

ولا يقتصر استغلال الرصيف على ما سبق ذكره، بل إنه المحضن الذي يتم اللجوء إليه من طرف المتسولين الذين يستغلونه لعرض علاتهم الحقيقية والمفتعلة، فيما أحياناً يكون "مسرحاً" لعزف الموسيقى للمارة، مقابل حفنة من المال يقدّمها بإرادته من يستمتع بالعزف. ويكون أحياناً أخرى كنقطة ثابثة في بعض المظاهرات والاحتجاجات المختلفة، خاصة منها ذات الطابع الاجتماعي. ووسط مشاهد التسوّل والموسيقى وأصوات الباعة الجائلين، قد تجد "الدعارة" ركناً لها على هذا الرصيف عندما يسدل الليل ستاره.

ووسط هذه المشاهد المتناقضة التي يحتضنها هذا الفضاء المشترك، والتي تتوزّع بين جشع التجار والمتسولين والباحثين عن رزقهم اليومي، تنتصب العديد من الأسئلة الحارقة، عن دور الدولة، والمقاربة التي ينبغي عليها التفكير فيها حيال هذه الفئات المهمشة لانتشالها من الرصيف صوب مراكز للرعاية الاجتماعية، ومعامل ومصانع تعنى بهم وتوفر لهم حياة كريمة.