تحدّي الصورة النمطية

تحدّي الصورة النمطية

07 يوليو 2017
كرار نوشي.. راح ضحية تلك العقلية الذكورية السائدة (فيسبوك)
+ الخط -

قُتل الشاب العراقي كرار نوشي، أوائل هذا الشهر، بعد خطفه. وبالرغم من أن التحقيقات لا تزال جارية لمعرفة الدافع وراء قتله، إلا أنه، وبحسب شبكة "أورونيوز"، فإن الشاب كان قد تلقى تهديدات بالقتل بسبب أسلوبه في ارتداء الملابس وتسريحات شعره. وتشير شبكة أورونيوز بأنه، منذ الحرب على العراق، قُتل عشرات الشبان بسبب تسريحات شعرهم أو ميولهم الجنسية.

راح ذلك الشاب العراقي الجميل ضحية تلك العقلية الذكورية السائدة في العراق كما في الكثير من البلدان العربية. تجسّد حالة هذا الشاب التغيرات التي طرأت على المجتمع العراقي منذ عام 2003 وما بعدها، حيث بدت الردّة واضحة إلى المجتمع القبلي والعشائري، بعد انهيار النظام الديكتاتوري الذي قمع هذه الظواهر بالعنف. ولم يزد الأمر إلا سوءاً المجموعات الإسلامية المتطرفة والمليشيات التي باتت مسيطرة في ظل غياب الدولة. ظاهرة تجنيد الأطفال الذكور وتسليحهم تعد الأبرز في المجتمع العراقي، والتي تعكس بصورة فظة ما يريده من المجتمع من هؤلاء الصبية الآن ولاحقاً حين يصبحون رجالاً.

لا تزال الكثير من المجتمعات في العديد من البلدان العربية تتوقع من الشاب والرجل أن يكون هو "الحامي" و"المخلّص" و"القوي" و"مصدر الدخل". هذا التوقع المجتمعي يأتي على شكل قالب يفرضه المجتمع أو لنقل مجموعة الأشخاص الذين يعيشون في مكان جغرافي مشترك ويتقاسمون منظومة ثقافية وقيمية على النساء والرجال دون استثناء. تصبح لهذه المجتمعات أو التجمعات سطوة في القرار وفي تقرير مصير المئات، بل الآلاف، من النساء والرجال والصبيان والفتيات. ماذا يجب أن يرتدوا وكيف يتصرفون وماذا يجب أن يعملوا وكيف يجب أن يشعروا وكيف يعبّرون عن هذه المشاعر. كل شيء بحساب يكيّل بميزان جندري خاص بكل مجتمع. وفي حال أراد أي شخص تحدي هذه الأدوار والصور النمطية أو كسرها، فإن ردة الفعل قد تصل إلى حد التعذيب والقتل.

كلفة هذه الأدلجة الجندرية تتجاوز ما يدفعه هؤلاء الرجال والشبان من ثمن قد يصل ليكون حياتهم. تصبح الكلفة أسرية ومجتمعية في كثير من الأحيان وتتفاوت حدتها بحسب تأقلم (أو عدم تأقلم) الرجال في هذه الأدوار وقدرتهم على تحمل ضغوطاتها. العنف الأسري والاغتصاب الزوجي والاغتصاب في المجتمع وتزويج الفتيات ومظاهر العنف العام كلها نتيجة حتمية لتلك الأدلجة. وفي سياق آخر وإن متصل، سُجلت حالة وفيات عدة لرجال أمن وشرطة في المغرب نتيجة سكتات قلبية بسبب الضغوطات المهنية.

خبران منفصلان في بلدين مختلفين لكن القاسم المشترك بينهما هو ما تتوقعه مجتمعاتنا من الرجال والشبان. الخبر الثاني هو العملة الأخرى لموت الشاب العراقي. ليس مسموحاً للرجال في مجتمعاتنا الإصابة بالاكتئاب مثلاً أو التعبير عن المشاعر لتنفيسها. إما كبت المشاعر فالموت الفجائي، أو التفجير الانفعالي العشوائي فالعنف، أو تحدي القوالب وكسرها فالتعرض للقتل. كم هو تعيس هذا الشرق.

*ناشطة نسوية

المساهمون