عودة إلى سورية قبل فوات الأوان

عودة إلى سورية قبل فوات الأوان

25 يونيو 2017
ترتدي ثياب العيد رغم الدمار (عامر المهيبني/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس أجمل من متعة اللقاء بالأهل بعد سنوات من الفراق. على الأقل، هذا ما يقوله بعض السوريين الذين غادروا تركيا لقضاء العيد في بلادهم، والتي قد يختارون الاستقرار فيها مجدداً وإلى الأبد.

هذا العام، استقبلت محافظتا إدلب وحلب أعداداً غير مسبوقة من السوريين القادمين من تركيا لقضاء فترة العيد في بلادهم، وتوقعت السلطات التركية أن يصل مجمل عدد هؤلاء إلى 150 ألف سوري. أبو إسماعيل، وهو رجل سبعيني من ريف إدلب، تكبد مشقة العودة إلى سورية رغم فترات الانتظار الطويلة والطقس الحار. يقول: "فرحتي بلقاء أولادي وزوجاتهم وأطفالهم لا تضاهي شيئاً، خصوصاً أنني لم أرهم منذ ثلاث سنوات إلا عبر شاشة الهاتف. حين تركت سورية، كان لدي أربعة أولاد، وبقي لي ثلاثة. خسرت أحدهم بالقصف ولم أحضر دفنه. قررت العودة لألتقي بهم قبل أن يفوت الأوان. خلال السنوات الماضية، منعني أولادي من العودة خوفاً علي، وطلبوا مني الانتظار ليهدأ الوضع. ليتني لم أفعل. يبدو أننا سنموت قبل أن تتوقف الحرب".

بعد وصوله، تفقد بيته. "عمّرت هذا البيت بيدَيّ هاتين قبل 30 عاماً. في تركيا، عشت في إسطنبول وهي جنة على الأرض، لكنني لم أشعر يوماً بالراحة التي أشعر بها اليوم في بيتي هذا".

أبو إسماعيل، حاله حال العديد من السوريين الذين عادوا لقضاء إجازة العيد في سورية، لم يحسم أمره بشأن العودة إلى تركيا بعد العيد، ويرى أن المهلة المتاحة للبقاء جيدة لاختبار إمكانية العودة إلى الوطن.

أما ماهر الأسعد، وهو مدرس لغة عربية يعيش في تركيا منذ أربع سنوات، فيقول إنه عاد إلى سورية للقاء عائلته والبحث عن عمل، هو الذي يعمل في ورشات الخياطة في تركيا. رغم أن حياته مقبولة، إلا أنه يحلم بالعودة إلى سورية طوال الوقت، وقد تواصل مع عدد من المنظمات المدنية علّه يجد عملاً. ويرى أن المهلة الطويلة التي منحتها تركيا للسوريين للبقاء في بلادهم تسمح لهم باختبار إمكانية العودة نهائياً. يضيف مبتمساً: "بالنسبة لي، لم أعش الحياة تحت خطر القصف والمعارك. أنا الآن مصر على البقاء لكن قد أجد نفسي أهرب مع أول ضربة، لا أعلم بعد".

صبيحة، وهي أم لأربعة أولاد، تركت عائلتها وتوجهت إلى سورية وحدها. تقول: "في كل عام، أنتظر العيد بفارغ الصبر لأزور والدي وأخواتي، وهذه هي المرة الثالثة. أولادي يدرسون في المدارس والجامعات وزوجي يعمل كطبيب أسنان، وقد اندمجنا في المجتمع التركي. لكن روحي ما زالت معلقة في سورية".

تضيف صبيحة: "هذا العام أعود وكلي شوق لقضاء الوقت مع عائلتي. أرغب في مساعدتهم بتحضير الحلويات والاستماع إلى حكاياتهم. لكن بعد ذلك، أرجع إلى تركيا بخيبة أمل وحزن كبيرين. كل سنة، أجد أن أحزان الناس تتضاعف. وبدلاً من أن أستمع إليهم، أجيب عن أسئلتهم المتكررة عن الحياة في الخارج، أي الحياة من دون حرب".


ربّما لا جديد في القول إن مظاهر الفرح تغيب عن السوريّين بحلول عيد الفطر هذا العام أيضاً، في ظلّ التشرد والنزوح والفقر وانعدام الأمن وغيرها. مع ذلك، ترى البعض يحاول الحفاظ على ما استطاع من مظاهر العيد. العائلات التي يصعب عليها الالتقاء لجأت إلى وسائل التواصل الاجتماعي. من خلالها، يمكنها تبادل التهاني بالعيد. دائماً ما يستطيع الناس إيجاد بدائل. وحدهم أولئك الذين فقدوا أعزاء لهم لا يستطيعون إيجادها.

في محافظة إدلب، التي تسيطر عليها قوات المعارضة، وتضم عشرات آلاف النازحين من مناطق سورية مختلفة، اقتصرت مظاهر العيد على انتعاش في حركة الأسواق، ووضع ألعاب للأطفال في الأماكن العامة من خلال بعض المبادرات المدنية.

في هذا السياق، يقول جاسم حلي، الذي يعمل بائعاً للمأكولات الشعبية في ريف إدلب: "في هذا العيد، سنزور معارفنا في القرى المجاورة ونسهر معهم في الحقل، بعدما أحصل على عطلة. لم يكن لدي عطلة أسبوعية، ولطالما اشتكت زوجتي وولداي لأنهم لا يرونني كثيراً. آمل أّلا تحوّل الطائرات العيد إلى كابوس".

أما في مخيمات النازحين السوريين على الحدود السورية التركية، فتغيب مظاهر العيد بشكل شبه كامل. يقول صبحي، وهو متطوع إغاثي في إدلب: "كل ما يشغل أهالي المخيمات هو تأمين الطعام والمياه. الحياة قاسية جداً هذه الأيام، ودرجات الحرارة عالية والخيمة تتحوّل إلى فرن". يضيف: "من المفارقات أن أحداً في المخيم لا يشتري ثياباً في العيد أو يصنع الحلويات. لكن ما زال البعض يحددون مواعيد الزفاف في أول أيام العيد، وهو تقليد شائع في سورية منذ زمن".

أما أم عبد، التي تعيش في مدينة حلب، فتقول: "صنعت هذا العيد الكعك والمعمول، وقد زدت الكعك على حساب المعمول لأن الميزانية لا تكفي لشراء الفستق والجوز. لا قدرة لدى كثيرين حتى على تحضير كعك العيد. ولأنه لم يعد هناك من أحد يزورني، أنوي توزيع نصف الكعك على الفقراء". تضيف أنها ستزور جيرانها وتتحدث إلى ولديها عبر الإنترنت. "هكذا ينتهي العيد عندي. العائلات المقتدرة فقط تسافر إلى الساحل لقضاء العيد".

المساهمون