موائد رمضانية من أجل فقراء باكستان

موائد رمضانية من أجل فقراء باكستان

19 يونيو 2017
طعام وأحاديث (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل حلول شهر رمضان، كان محمد عمران ينفق جزءاً كبيراً مما يكسبه على الأكل والشرب وهو يعيش مع عدد من أبناء قريته في منطقة أي تن بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد. لكنّه في رمضان لا ينفق شيئاً من ذلك، فهو ضيف دائم على إحدى الموائد الرمضانية بالقرب من المنطقة التي يعيش فيها. ليس وحده كذلك، فكلّ من جاء إلى العاصمة من قريته ومن قرى أخرى يحضرون مائدة الإفطار تلك.

ثمة عشرات الموائد الرمضانية التي تنظمها المؤسسات الخيرية وأثرياء البلاد، لجمع فقراء باكستان عندها طوال شهر رمضان الفضيل. يتعزز ذلك خصوصاً في العشر الأواخر من الشهر، حيث تكتظ الأسواق القديمة التي تقام مجدداً بمناسبة العيد، ويفد إليها الآلاف من سكان الأقاليم لأجل كسبة لقمة العيش كحال عمران.

يقول عمران: "أنا وعدد من أبناء قريتي نعيش في بيت صغير استأجره أحدنا ثم بدأنا نساهم معه في دفع الأجرة. قبل رمضان كنا ندفع جزءاً مما نكسبه لأجل الطعام، بالرغم من تواضعه، وفي بعض الأحيان كنا نكتفي بالخبز مع الشاي والسكر. لكن في رمضان نأكل أفضل طعام مجاناً. يكفي أن نحضر إلى الموائد الرمضانية المختلفة التي يقيمها أثرياء البلاد في منطقة أي تن، وغالبا نحضر إلى المائدة القريبة من منزلنا".

تقام عشرات الموائد في العاصمة الباكستانية إسلام أباد وفي مدينة راولبندي المجاورة، يحضرها آلاف الفقراء والعمال والغرباء. كثيرون من هؤلاء وافدون من الأقاليم ومن المدن النائية أتوا إلى المدينتين لأجل العمل وكسب لقمة العيش. تلك الموائد تساعدهم في جمع شيء من المال لعيد الفطر واحتياجاته.

في هذ الشأن، يقول عبد السلام، أحد الوافدين من مدينة سوات، شمال غرب باكستان، الذي يعمل في مصنع للصابون في ضواحي العاصمة إسلام أباد إنّ "الموائد الرمضانية، أو ما يسمى موائد الرحمن، نعمة كبيرة من الله علينا نحن الفقراء، لأنّ الراتب الذي أتقاضاه، والأجرة اليومية التي يكسبها العمال وهم معظم الحاضرين إلى الموائد، لا تتيح لنا إعداد إفطار جيد. لا يمكننا حتى أن نرتب للعشاء خارج رمضان، لكن بفضل تلك الإفطارات الجماعية يمكننا أن نتناول أفضل طعام". يضيف عبد السلام أنّ تلك الموائد جعلت لصوم الفقراء نكهة خاصة ليس فقط لأنّها تقدم لهم الطعام، بل ترتب لهم أجواء رمضانية، فيجتمعون معاً بعد الإفطار وأداء صلاة المغرب حتى صلاة العشاء.




تلك الاجتماعات بين الغرباء تزيد متعتهم، وتعطيهم راحة روحية بعد تناول الطعام وأنواع من الفواكه قد يصعب لعامة المواطنين، خصوصاً الفقراء، تناولها طوال عام. يقول عبد السلام: "لشهر رمضان في العاصمة نكهة خاصة بالرغم من الغربة والعمل الشاق طوال النهار. ننتظر وقت الإفطار والاجتماع بالأقران وأبناء القرية على المائدة التي يجلس حولها مئات المغتربين والفقراء، ثم نتحدث مع بعضنا البعض حتى صلاة العشاء". لا يكتفي هؤلاء بتناول الإفطار بل يأخذ بعضهم طعام السحور، الذي يتناولونه بعد عودتهم من صلاة التراويح.

وعلى الرغم من أنّ كثيراً من الحاضرين إلى الموائد الرمضانية من إقليم خيبربختونخوا، شمال غرب باكستان، ومن المناطق القبلية التي دمرتها الحروب خلال الأعوام الماضية، إلاّ أنّ هناك أعداداً كبيرة من الأقاليم الأخرى خصوصاً من إقليم البنجاب وبلوشستان. من هؤلاء سمين خان، الذي يعمل في سوق الخضار في ضواحي العاصمة. جاء سمين قبل أشهر إلى السوق ليعمل في نقل الفواكه من الشاحنات إلى المحال التجارية. هو أول رمضان له في الغربة، وبذلك، تجمعه الموائد الرمضانية بكثير من المغتربين وتقدم له ولأمثاله الطعام المناسب، على حد قوله. بالرغم من كلّ الأجواء الخاصة إلاّ أنّ سمين المضطر إلى حضور الموائد، فلا خيار آخر لديه، يشتاق إلى إفطار قريته في منطقة دلبندين بإقليم بلوشستان حيث يجتمع العشرات حول مائدة واحدة ويحضرون الوجبات التقليدية المختلفة رغم فقرها، ثم يؤدون صلاة التراويح مع بعضهم بعضاً قبل الانصراف إلى الأولاد والأهل.

ليس المغتربون وحدهم من يستفيدون من الموائد الرمضانية، بل حتى سكان العاصمة واللاجئون إليها من المناطق القبلية بفعل الحروب، ليس كصائمين فحسب بل كعمال في مشاريعها. يعمل بعضهم في توزيع وترتيب الطعام مقابل أجرة، كما يأخذون معهم الطعام إلى ذويهم.

هناك موائد خاصة أو أيام خاصة في رمضان لجمع الأطفال على بعض تلك الموائد، خصوصاً تلاميذ دور الأيتام. وهو ما يقوم به عادة التاجر محمد ولي، الذي يجمع الأطفال من مختلف المدارس في أحد أيام رمضان ويقدم لهم الطعام، عدا عن تنظيمه إفطاراً يومياً للفقراء.