أجزاء اللغز وحلّه

أجزاء اللغز وحلّه

21 مارس 2017
من سينظر عن بعد؟ (سيون توهيغ/ Getty)
+ الخط -
الصورة الكبيرة أمامه لا يعرف ما هي. لا يعرف إن كانت ستظهر يوماً. لكنّ الأجزاء تتراكم منذ سنوات. ليست مهملة منذ ذلك الحين، بل يسعى كلّ يوم إلى ضمّ الأجزاء إلى بعضها بعضاً.

هناك دائماً أجزاء ناقصة. أجزاء لا يصل إليها. غالباً ما تكون جوهرية، أو هكذا يظنّ إذ يحاول ويصل إلى طريق مسدود، فيقترح أنّ هناك جزءاً ناقصاً لا بدّ من ضمّه إلى غيره كي يهتدي إلى إكمالها.

ربّما ليس هناك جزء ناقص، ربّما الصورة على هذه الحال مكتملة، وربّما لا تكتمل الصورة أساساً في نظره خصوصاً حين تكون مكتملة في نظر آخر أكان قريباً أم بعيداً.

هو تائه في الأجزاء، هو في قلب الأجزاء بما يحمله كلّ جزء من زخم تاريخي وثقافي وأيديولوجي وطوباوي. هو تائه لا يملك قابلية العثور على الجزء الناقص. ربّما يتسنى له الخروج من كلّ هذه الأجزاء والصعود فوقها والنظر عن بعد إليها في لحظة تجلٍّ منشودة. لكنّ تلك اللحظة نادرة ندرة ذلك الجزء الناقص الساكن في مخيّلته والمرتدّ إلى واقعه.

أجزاء اللغز تغني في كثير من الأحيان عن حلّه. فكلّ جزء منه قد يسمح له بعيش لحظات متعة ولذة ونشوة وألق وسموّ وقوّة وثروة قد يكررها قدر ما شاء. قد يسكن فيها ويرفض الانتقال منها. لماذا ينتقل وهو حقق وما زال يحقق ما يرغب فيه أيّ إنسان... ما يضعه معظم الناس غايةً!؟

لكنّه في ساعة طيش، أو شطحة، أو ربّما لمعة تقدح فجأة في خلاياه الدماغية وتعدّل في جملها العصبية ومعها إدراكاته ونظرته الكلية إلى الأشياء وما ورائها، يشعر بأنّ هناك ما هو أبعد من تلك اللحظات. لا يشعر بأنّ ما هو أبعد منها سيكون أفضل أو أسوأ، بل مجرّد الشعور بوجوده يعني شيئاً ما. يعني تحطيم عالم كامل قائم على جزء لا أكثر، جزء لا يعدو كونه جزءاً من كلٍّ. لم يرتفع هو أعلى من أجزائه للنظر إليه عن بعد، ولم يصدّق قبل تلك اللمعة احتمالات تناهي صغره بالمقارنة مع حقيقة كاملة لا يشكّل منها أكثر من "نقطة زرقاء باهتة"، كما وصف كارل ساغان كوكبنا في لحظة تجلٍّ جعلته يدرك كم نحن صغار في هذا الكون الواسع الذي مساحة ظلمته أكبر بكثير من مساحة أنواره.

هو تنقّلَ بين أكثر من جزء، بل تمكّنَ من إلصاق كثير من الأجزاء ببعضها بعضاً ولو لم يصعد فوقها وينظر إليها عن بعد كي يرصد مدى تقدّمه. كلّ ما يملك هو محاكاة تلك النظرة عن بعد من قلب الأجزاء والتفاصيل، فإن وصل إلى طريق مسدود يمكنه دائماً أن يتلقّف جزءاً من الكلّ كمليارات البشر. أما إن تابع المسار في تركيب الأجزاء بعضها إلى بعض، فربّما يأتي بعده من يكمل ما بدأ، وربّما يأتي بعدهما من يصل إلى الارتفاع الكافي فيشهد حلّ اللغز.

المساهمون