فرصة مؤجلة للأردن

فرصة مؤجلة للأردن

21 فبراير 2017
الفرصة يصنعها رجال ونساء الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

حتى سنوات قليلة خلت كان الأردن يخطط للدخول إلى "الفرصة السكانية" في العام 2040، لكنّ وقائع جديدة جعلت من الطموح أمراً معقداً، لينشغل صانعو السياسات السكانية من جديد بإعادة ترتيب حساباتهم واستراتجياتهم لتحديد موعد آخر لهذه الفرصة، التي يفترض أن تشكل نهضة تخلّص المملكة من مشاكلها، وتحقق الرفاه، أسوة بالدول المتقدمة.

تظهر "الفرصة السكانية" عندما يبدأ نمو الفئة السكانية المعروفة بقوة العمل (الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً) بالتفوق بشكل كبير على نمو فئة المعالين (ما دون 15 عاماً وما فوق 64 عاماً) بحسب الأمين العام لـ المجلس الأعلى للسكان، ميسون الزعبي.

وهو ما يعني أن يكون مستوى السكان في سن العمل في أوجه، فيما تكون نسبة الإعالة في أدنى مستوياتها. تشرح الفوائد المتأتية من الفرصة بزيادة الادخار والناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض معدلات الاعتماد على الأردنيين العاملين، بالإضافة إلى انخفاض عدد السكان بشكل يؤدي إلى انخفاض الضغط على الخدمات.

تشرح الزعبي: "الأردن على أعتاب تحول ديموغرافي تاريخي، مثل سائر الدول النامية التي شهدت معدلات إنجاب مرتفعة في الماضي القريب، وتناقصت تلك المعدلات تدريجياً، وهو التحول الذي يمثل فرصة سكانية تنتج تأثيرات عميقة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية". لكنّها تؤكد أنّ التحول لن يشكل فرصة نافعة إلاّ مع تخطيط وإعداد مسبق، وما لم يتحقق ذلك فإنه سيتحول إلى تحدٍّ جديد.

وللاستفادة من ثمار التحول الديموغرافي وجعله فرصة، وضعت المملكة عام 2009 وثيقة للسياسات السكانية، تتضمن مجموعة من السياسات واجبة التنفيذ، وتتمثل في الاستثمار في الصحة بما يؤدي إلى زيادة كفاءة وفعالية برامج الصحة الإنجابية (تنظيم الأسرة)، والاستثمار في التعليم والتعليم العالي وتحسين نوعيته والاهتمام بالتعليم المهني، وتحسين الأوضاع الاقتصادية بما يؤدي إلى تحسين البيئة الاستثمارية لتوليد فرص عمل، وتشجيع الاستثمار في المناطق الريفية والشركات الصغيرة والمتوسطة، مع الاهتمام بتمكين المرأة اقتصادياً.

تؤكد الزعبي أنّ تطبيق وثيقة السياسات كان يتم بشكل جيد خلال السنوات الأولى، قبل حدوث التطورات المفاجئة والمتمثلة بالأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد الأردني، واللجوء السوري الذي خلط الأوراق بشكل كبير. وتعلّق: "في ظل هذه المتغيرات، بات من المستحيل دخول الفرصة السكانية عام 2040، واليوم يجري العمل على إعادة دراسة الواقع السكاني في المملكة بما يؤدي إلى تعديل لتاريخ دخولنا الفرصة السكانية".




بنيت وثيقة السياسات السابقة على أعداد الأردنيين فقط، من دون أن تضع في حسابها غير الأردنيين المقيمين في المملكة، سواء من اللاجئين أو الوافدين، لكنّ الدراسة قيد المراجعة، بحسب الزعبي. ويظهر التعداد العام للسكان لسنة 2015 أنّ عدد سكان المملكة بلغ 9.5 ملايين نسمة، منهم 6.6 ملايين أردني، ونحو 3 ملايين غير أردني بين لاجئين ووافدين، ومن هؤلاء ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري. وقد شكل التعداد السكاني صدمة كبيرة، خصوصاً أنّ القطاعات الأردنية كانت تضع توقعات للاحتياجات المستقبلية بناءً على عدد سكان سيبلغ 9 ملايين عام 2030.

تقول الزعبي: "وإن كانت الأزمة الاقتصادية قد أبطأت من الوصول إلى الفرصة السكانية في الموعد المحدد، فإنّ اللاجئين والوافدين أعاقوها بشكل كامل". وتبيّن أنّ اللجوء السوري يشكل ضغطاً كبيراً على الموارد المحدودة للمملكة. ويزيد من المشكلة أنّ التوقعات العالمية لبقائهم في الأردن بعد انتهاء الصراع في بلادهم تتراوح بين 10 و15 عاماً.

لكن، لتحويل اللجوء من تحدٍّ إلى فرصة في سبيل تحقيق الفرصة السكانية، ستستفيد وثيقة السياسات الجديدة من الوجود السوري من خلال خلق شراكة بين المهنيين منهم والمواطنين الأردنيين في مشاريع اقتصادية مشتركة، تنعكس إيجاباً على اللاجئين والمواطنين على حدّ سواء، وتساهم في الاقتصاد الوطني، وفقاً للزعبي.

أما في ما يتصل بمحور تخفيض معدلات الخصوبة، والتي تتطلب الفرصة السكانية وصولها إلى 2.1 طفلين لكلّ امرأة، فتشير إلى تغير عميق في مفاهيم المجتمع الأردني في ما يتعلق بالإنجاب: "الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سن الزواج، زاد من إيمان المجتمع بأهمية الأسرة الصغيرة". وتبلغ نسبة الخصوبة في الأردن حالياً 3.3 أطفال لكلّ امرأة، مقارنة بنسبة 5.6 أطفال لكلّ امرأة في تسعينيات القرن الماضي.

وفي ما يتصل بمحور تمكين المرأة اقتصادياً، تقول الزعبي: "المطلوب في تمكين المرأة اقتصادياً ليس فقط أن تنخرط في سوق العمل، بل أيضاً أن تفتح النساء مشاريع خاصة بهن". وتظهر الأرقام الرسمية تدني نسبة الأردنيات في سوق العمل، لتبلغ بحسب أحدث دراسة 6 في المائة فقط.

تدافع الزعبي عن ضرورة مراجعة جميع السياسات، بما يمكّن من اغتنام فرصة التحول الديموغرافي المنتظر، حتى لا يكون التحول تحدياً يصعب التعامل معه، في وقت يمكن أن يمثل فيه الاستعداد فرصة قد لا تعوّض.

دلالات