الأسرة النواة تطيح بالدار الكبيرة

الأسرة النواة تطيح بالدار الكبيرة

15 يناير 2017
الأسر الممتدة إلى اندثار (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

في شقة صغيرة ضيّقة في إحدى ضواحي العاصمة المغربية الرباط، يعيش عبد الغني (أربعينيّ) وزوجته وأولاده الثلاثة. هذه أسرته، وتتألّف من خمسة أفراد. وهي بحسب ما يصنّفها علماء الاجتماع "الأسرة النواة" أو "الأسرة الأوليّة"، إذ تتألّف فقط من الأبوَين وأولادهما. إلى هذا النوع من الأسر، يتحدّث علماء الاجتماع عن "الأسرة الممتدة" التي يعيش أفرادها من أكثر من جيل جميعاً في منزل واحد، يطلق عليه المغاربة "الدار الكبيرة". والأسرة الممتدّة تضمّ إلى أفراد النواة، الأجداد وكذلك الأعمام والأخوال... وهذا ما تحاول طامو وهي امرأة في الستينيات من عمرها، الحفاظ عليه على الرغم من التغيّرات العميقة التي راحت تلحق بالمجتمع المغربي في السنوات الأخيرة.

بقيت الأسرة الممتدة حاضرة في المغرب حتى ثمانينيات القرن العشرين، وكانت "الدار الكبيرة" واحدة من سمات المجتمع. لكن، مع مرور الزمن، راح نظام الأسرة النواة يبرز أكثر فأكثر. وتفيد إحصاءات محليّة بأنّ نظام الأسرة النواة في البلاد أصبح يمثّل أكثر من 68 في المائة من الأسر المغربية في عام 2015، بينما لم تتخطّ النسبة 60 في المائة في عام 2005. أمّا في عام 1982، فكانت تسجّل 51.1 في المائة. وتوضح هذه الأرقام انتشار نظام الأسرة النواة في المجتمع المغربي على حساب الأسرة الممتدة. فقد أصبحت كلّ أسرة نواة تقطن في منزل مستقلّ، لتندثر تدريجياً "الدار الكبيرة" التي كانت تؤوي الأسرة الممتدة.

تؤكّد طامو التي حافظت على كيان أسرتها الممتدة لـ "العربي الجديد"، على أنّها قاومت "مثبطات وعراقيل كثيرة". تقول: "واجهت مشاكل عدّة ليبقى منزلي مفتوحاً لبناتي وأزواجهنّ وأبنائهنّ. فأنا كنت متمسّكة بالأسرة الممتدة التي هي أسرة متماسكة يسود فيها التكافل والمؤازرة والمودّة والعاطفة". بالنسبة إليها، فإنّ هذا النظام "يقي الأسرة مخاطر الطلاق والتشرذم، بخلاف الأسر التي تأتي مقتصرة على الأبوَين والأبناء فقط".




من جهته، يقول عبد الغني لـ "العربي الجديد" إنّ "ظروف الحياة هي التي منعتني من البقاء في نظام الأسرة الممتدة". يضيف: "صحيح أنّ والديَّ ما زالا على قيد الحياة، إلا أنّني لم أتمكّن من إيوائهما في منزلي بسبب ضيق المكان. كذلك، يصعب عليّ الإنفاق على الأسرة كلها". ويتابع أنّ راتبه بالكاد يكفيه وزوجته وأبناءه الثلاثة، "لا سيّما أنّ مصاريف دراسة الأولاد وكسوتهم ومعيشتهم وعلاجهم كبيرة. بالتالي، من المستحيل إيواء الجدَّين وغيرهما من أفراد الأسرة الممتدة". ويعيد "انتشار هذا النوع من الأسر الضيقة، إلى أسلوب المعيشة الراهن وإلى ضيق ذات اليد".

في هذا السياق، ترى الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير أنّ ما ذهب إليه عبد الغني من تبريرات، منطقيّ. وتتحدّث لـ "العربي الجديد" عن "وتيرة الحياة السريعة وتعقيداتها، وكذلك ارتفاع الأسعار والكلفة الباهظة للحياة، بخلاف سنوات الزمن الجميل". وتؤكّد أنّ "هذه العوامل كلّها تدفع بالأسر إلى الانكماش على نفسها أكثر، فيندثر نظام الأسرة الممتدة شيئاً فشيئاً".

إلى ذلك، تشير العوفير إلى "عامل آخر يساهم في انتشار الأسرة النواة على حساب الأسرة الممتدة، وهو التوجّه الفرداني في المجتمع المغربي. فقيم الفردانية تحلّ أكثر فأكثر محلّ قيم التكافل الاجتماعي والتشارك والمؤازرة. وصارت الأسرة تنكفئ على نفسها وتتجاهل ما يجري خارج جدران بيتها الصغير، وقليلاً ما تتفاعل مع المكوّنات الأخرى لأسرتها الكبيرة الممتدة".

وتلحظ العوفير أنّ "النزاعات العائلية تكثر في البيوت والأسر النواة التي تضمّ الأب والأم والأبناء فقط، بالمقارنة مع ما يحدث في الأسر الممتدة التي يحضر فيها الجدّ أو الجدة بحكمتهما، فيتدخلان للحفاظ على لحمة العائلة وعدم تفككها". تضيف أنّ "الأقارب كانوا يلعبون دور الوسيط الأسريّ الذي تفتقده اليوم الأسر العصرية". وتشدّد على أنّ "هذه التغيّرات التي طرأت على أنظمة الأسر المغربية وحوّلتها من امتداد أسري إلى انكفاء داخلي وكذلك من قيم تكافلية إلى قيم فردانية، لا يمكن عزلها عن السياق الذي يذهب به المجتمع المغربي، إلى جانب المؤثّرات الديمغرافية والاقتصادية والعمرانية".

دلالات