أحمد الذي تخلّى عن أحلامه

أحمد الذي تخلّى عن أحلامه

05 سبتمبر 2016
أراد أن يكون أديباً (العربي الجديد)
+ الخط -

كان أحمد فهيم (22 عاماً) يحلم بإكمال دراسته ليصبح طبيباً أو أديباً. لطالما أحب الكتابة باللغة الفارسية، خصوصاً أنها لغته الأم. لكن كل شيء تغيّر قبل ست سنوات بعد وفاة والده عبد الباقي. كان يدرس مع شقيقَيه في إحدى مدارس كابول، ولم تكن الأسرة تواجه أي مشاكل في تأمين احتياجاتها اليومية. وكان والده عبد الباقي، وهو أحد موظفي الداخلية الأفغانية سابقاً، يتولى تأمين كل مصاريف الأسرة. حلم واحد ظل يشغل باله، وهو أن يكمل أولاده دراستهم.

قبل ستة أعوام، انقلبت الحال فجأة بعدما توفي الوالد نتيجة سكتة قلبية. هكذا فقدت الأسرة معيلها. في البداية، صمدت الأم لفترة قصيرة في وجه التحديات، علّها تتمكّن من تحقيق حلم زوجها بعد وفاته. لكن ظروف الحياة القاسية تغلّبت على إرادة المرأة.

يقول فهيم: "رفضت والدتي أن نترك شقيقاي وأنا الدراسة. لكن بعدما بقينا أياماً من دون طعام، وبعدما فشلت جميع محاولاتها لإيجاد وسائل لكسب الرزق لتأمين الطعام، رضيت أن أترك الدراسة. فقصدت السوق باحثاً عن عمل لأعيل بقيّة أفراد الأسرة". أما شقيقاتي الثلاث، فبقين في المنزل أيضاً، لأن أمي لم تعد قادرة على تأمين الرسوم".

قبل ستة أعوام، كان فهيم في السادسة عشرة من عمره، وكان يحمل الكتب في سوق شهر نو ويتنقل بين الفنادق والأزقة، باحثاً عن أي شارٍ. في الأيام الأولى، كان يعود إلى المنزل من دون أن يبيع شيئاً. ومع الوقت، صار له زبائنه الذين ينتظرونه لشراء الكتب التي يحتاجون إليها.

اليوم، يكسب فهيم ما بين ثلاثة وسبعة دولارات أميركية يومياً. ولدى سؤاله عن حال الأسرة في الوقت الحالي، بدأ يبكي من دون أن يتفوه بأي كلمة. يقول: "يومياً، أجلب معي الخبز اليابس من السوق حيث أعمل. وحين أعود إلى المنزل، تعد أمي الشاي مع السكر. نأكل الخبز مع الشاي، ونصلي العشاء ثم ننام". لكن في بعض الأحيان، حين يكسب مبلغاً أكبر من المعتاد، تعدّ الأم الطعام لهم.




في صباح كلّ يوم، يخرج فهيم من منزله في منطقة باغرامي في ضواحي العاصمة، ويصل إلى السوق قبل الساعة التاسعة، ليأخذ الكتب من محل أحد زملائه ويبدأ ببيعها حتى الساعة الثامنة ليلاً. صحيح أنه قادر على تأمين لقمة العيش لأشقائه في معظم الأحيان، إلا أنه قد يعود أحياناً إلى المنزل صفر اليدين. أما شقيقاه الأصغر سناً، أحمد خليل (12عاماً) وأحمد تميم (14عاماً)، فما زالا يدرسان وإن كانت الأم تعجز أحياناً عن دفع الرسوم. وبسبب الظروف الصعبة، تخشى على مستقبلهما الدراسي. تقول: "حزنت كثيراً عندما ترك ابني فهيم دراسته".

من جهته، يبدو فهيم مصراً على المساعدة في تعليم شقيقيه، وتحقيق حلم والدته. وعن اختياره مهنة بيع الكتب، يقول: "لطالما أحببت الكتب والدراسة. لكن بعد وفاة والدي، تغير كل شيء واضطررت إلى ترك المدرسة. في وقت لاحق، توجهت نحو السوق لإعالة الأسرة. ساعدني أحد أقاربي واشتريت كتباً وبدأت أبيعها".

خلال النهار، يرتاح فهيم لفترات قصيرة. يجلس في إحدى زوايا السوق أو على مقربة من الحديقة المعروفة باسم حديقة شهر نو، ويقرأ في كتبه. يقول إنه قرأ جميع الكتب التي يعرضها للبيع.

في أيام الجمعة، يساعد والدته في تدبير شؤون المنزل، وشراء كل ما تحتاجه. وفي المساء، يخرج مع أصدقائه للعب كرة القدم. هو ماهر جداً في اللعبة، ويُعدّه زملاؤه أفضل لاعب كرة قدم. لكن لسوء حظه، هو منشغل ببيع الكتب. يؤكد أنه لو كان يملك فرصاً أفضل، لكان احترفها وأصبح اللاعب الأفضل في أفغانستان. كان يلعبها مع أصدقائه عندما كان والده على قيد الحياة، لكنه اليوم لم يعد يستطيع اللعب إلا أيام الجمعة، ولساعات محدودة.

بعد كل ما عاناه منذ وفاة والده، صارت أحلام فهيم أكثر تواضعاً. هو يحلم بأن يتمكن من تعليم شقيقيه، بالإضافة إلى زواج شقيقاته الثلاث. أما هو، فقد تنازل عن حلمَيه بإكمال دراسته وبأن يكون أفضل لاعب كرة قدم على مستوى البلاد.