"فوبيا المطر" تحبس الموريتانيين

"فوبيا المطر" تحبس الموريتانيين

03 سبتمبر 2016
تتحول الشوارع إلى برك ومستنقعات (العربي الجديد)
+ الخط -
المطر هاجس كبير يعيشه الموريتانيون، ويصلون معه إلى حدّ الفوبيا أي الرهاب. يرغمهم المطر على البقاء في المنازل وتغيير المشاريع والخطط اليومية. رهابهم ناشئ عن العواصف القوية التي تضرب البلاد وترفع معها معدل المتساقطات، ما يتسبب بدوره في فيضانات مدمرة في عدد من المناطق.

تتأثر موريتانيا بالتغير المناخي في العالم، وهو ما جعل الأمطار تتساقط سنوياً بكميات كبيرة على بلد صحراوي لم يألف سكانه مثل هذا المناخ، فهو غير مجهز بالبنية التحتية اللازمة للتصريف. مع الهطول ساعات قليلة تنفق رؤوس ماشية وتتلف محاصيل زراعية وتنهار منازل ويسقط قتلى.

هذه الفوبيا حقيقية يعاني منها كثيرون. من بين هؤلاء فاطمة بنت الهيبة (31 عاماً، موظفة) التي تقول إنّ خوفها يعود إلى تأثيرات المطر والأجواء العاصفة التي تسبقه، كما أنّ تغيّر العادات اليومية وتوقف الأعمال والأنشطة التي كانت تطمح إليها يجعل المطر بالنسبة إليها مخيفاً. تضيف لـ"العربي الجديد": "تساقط الأمطار يعني البقاء حبيسة في المنزل وتوقف جميع الأنشطة كالذهاب إلى العمل والتحاق الأطفال بالمدرسة، وفي حال الخروج، عليك أن تتحمل سوء الأوضاع في الشوارع التي يغلق بعضها بسبب المياه المتجمعة".

تتحول شوارع المدن الموريتانية إلى برك ومستنقعات بعد تساقط الأمطار بسبب عدم توفرها على نظام صرف صحي. وتتسبب هذه البرك بانتشار الحشرات كالبعوض الناقل للملاريا، كما تحوّل حياة الناس الى جحيم بسبب إغلاق بعض الشوارع واكتظاظ أخرى بالسيارات والمارة.

خلال انعقاد القمة العربية الأخيرة في موريتانيا، سادت المواطنين حالة من الخوف والقلق بعد تهاطل الأمطار على العاصمة وتأثر التحضيرات التي أعدتها الحكومة استعداداً لاستقبال الضيوف العرب. صبّ الموريتانيون جام غصبهم على السلطات و"لوبيات الفساد" التي لم تستطع حل مشكلة الصرف الصحي في المدن، أو تواكب التوسع العمراني، حتى في المناطق الجديدة، ببنية تحتية قادرة على تصريف مياه الأمطار. آخرون كانوا أكثر فاعلية، فقد دفع منظر البرك والمستنقعات التي خلفتها أمطار يوم واحد وأدت الى إغلاق عدد من الشوارع في العاصمة، بمجموعات شبابية إلى المساهمة بتجهيزات بسيطة في شفط المياه من الشوارع.

يقول محمد محمود ولد يسلم (21 عاماً، طالب) انه شارك في حملة تنظيف العاصمة التي انطلقت عفوياً بعد تأثر المدينة بالأمطار، واقتراب القمة العربية. يضيف أنّ المشاركين في الحملة تضاعف عددهم بعد انتشار خبر تنظيمها على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوة الجميع إلى المشاركة في تخليص المدينة من تلك البرك والمستنقعات. يتابع: "المطر كان حتى وقت قريب يعني الشعور بالفرح والأمل وتوقع الخير والبركة. أما اليوم فقد أصبح الجميع يفكر في كيفية تنقله وسط البرك وهل سينجو أهله في البوادي مما قد تخلفه الأمطار هناك؟ وما هو حجم الخسائر التي ستخلفها الأمطار؟ وكم سيكلف استئجار صهريج شفط المياه من محيط المنزل؟".

في العاصمة نواكشوط، يتخذ خوف السكان منحى آخر، فالمطر يعني أيضاً ارتفاع نسبة تشبع التربة بالمياه. فالمدينة مهددة أساساً بالغرق بسبب هشاشة الشاطئ وانخفاض مستوى المدينة عن سطح البحر.

أما في البوادي، فقد أدت العواصف غير المسبوقة التي عرفتها موريتانيا خلال السنوات الأخيرة إلى فيضانات في مدن الطينطان وآطار وكيهيدي وتمبدغة، وتسببت في سقوط قتلى وانهيار مئات المنازل وتشريد مئات الأسر وضياع المحاصيل الزراعية. ويبقى إهمال البنية التحية وإنشاء السدود أهم أسباب تلك الكوارث.

يقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين إنّ المتضررين من الأمطار هم من يخشونها. فالسحب الكثيفة تشعرهم بالخوف والاكتئاب أحياناً، ويخيفهم نزول المطر وما يصاحبه من أصوات الرعد وأضواء البرق. يشير إلى أنّ كثيرين لا يعتبرون أنفسهم مصابين بفوبيا المطر، لكنّ تصرفاتهم وانفعالاتهم تكشف حقيقة ما يشعرون به حين ينزل المطر. ويعتبر أنّ أسباب هذه الفوبيا تنقسم الى قسمين منها المتوارث ومنها المستجد. فالأسلاف كانوا حتى وقت قريب يتوجسون من سقوط المطر ويتخذون احتياطاتهم حتى لا تتأثر الخيم والتجهيزات البدوية من هطوله فيجمعون أطفال العائلة لترديد الأدعية و"طلب المطر على قدر النفع" ويلغون جميع أنشطتهم حتى يتوقف الهطول. والمستجدّ ناشئ عن الهجرة إلى مدن لا تتوفر فيها بنية تحتية، وهو ما أعاد إنتاج أسباب جديدة لـ"فوبيا المطر"، بحسب ولد الزين.