محمد إقبال لم تعجبه مدارس لبنان

محمد إقبال لم تعجبه مدارس لبنان

18 يوليو 2016
يبيع البالونات لإعالة أسرته (العربي الجديد)
+ الخط -

عادةً تؤثّر الحروب على الأطفال أكثر من غيرهم. هؤلاء يتحولون إلى ضحايا، في ظل عجزهم عن متابعة ما كانوا يفعلونه في بلادهم، باستثناء قلّة. هكذا، وببساطة، تقضي الحرب على أحلامهم وطموحاتهم، وتسرق منهم أجمل مراحل حياتهم. من بين هؤلاء، محمد إقبال، الذي كان يعيش حياة طبيعية في سورية، قبل أن تغيّر الحرب كل شيء.

يتحدر إقبال (15 عاماً) من مدينة درعا. ما زال صغيراً، لكنه يشعر أنه تجاوز الثلاثين في ظل ضغوط الحياة التي يعيشها. يقول: "جئت وأهلي إلى لبنان منذ عام ونصف العام، بسبب الحرب واشتداد القصف على المنطقة التي نعيش فيها". في تلك الفترة، لم نعد نملك المال، وصار العيش في سورية صعباً. يضيف أن أسرته تتكون من ثمانية أشخاص، إلا أن أشقاءه لا يعملون. والده أيضاً لا يستطيع العمل بعدما بترت قدمه جرّاء سقوط قذيفة على البيت. يذكر أن شقيقه أصيب بجروح بالإضافة إلى عمته. بعدها، تركت العائلة سورية وانتقلت إلى لبنان، رغبة في عيش حياة كريمة إلى حين انتهاء الحرب.

إقبال هو المعيل الوحيد للعائلة. يقول: "نسكن في منطقة الفيلات المحاذية لمخيم عين الحلوة في مدينة صيدا (جنوب لبنان). لحسن حظّنا أننا لسنا مضطرين إلى دفع بدل إيجار البيت الذي نسكنه، لأن الأمم المتّحدة تتولّى الأمر. لكن بعد فترة من مكوثنا فيه، طُلب منا ترك المكان خلال مهلة أقصاها عشرون يوماً". إلا أن النازحين لم يتركوا هذه البيوت في ظل صعوبة إيجاد أماكن بديلة، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على دفع بدلات إيجار، علماً بأن أي بيت لا يقل بدل إيجاره عن 250 دولاراً أميركياً.




في سورية، أنهى إقبال الصف الثامن الأساسي، إلا أنه لم يلتحق بأية مدرسة لدى مجيئه إلى لبنان في ظل غلاء الأقساط. ويرى أن المدارس التي تتولّى الأمم المتحدة دفع أقساطها ليست جيدة، لافتاً إلى أن الأطفال يمضون وقتهم في اللعب لأنه ليس هناك منهاج واضح يمكن الاستفادة منه في المستقبل. بدلاً من المدرسة، اختار بيع البالونات حتى يؤمن حياة كريمة لأهله. يخرج الساعة السابعة صباحاً، ويبيع البالونات في الأسواق والمطاعم. ويبقى على هذه الحال حتى الساعة الثامنة مساءً. طوال النهار، يأكل شطيرة، في انتظار العودة إلى البيت.

يقول إنه يحصل يومياً على 15 ألف ليرة لبنانية (عشر دولارات). يعود للحديث عن سورية. يضيف: "عندما كنّا نعيش في سورية، كان والدي يعمل، وكنّا نملك أراضيَ زراعيّة. لم أكن مضطراً إلى العمل والسير في الأسواق والانتقال من مطعم إلى آخر طوال اليوم علّني أتمكن من بيع البالونات. كانت مهمّتي الوحيدة الذهاب إلى المدرسة والالتفات إلى مستقبلي. لكن المستقبل قتلته الحرب". اليوم، يتمنى العودة إلى سورية ومتابعة تعليمه في مدرسته نفسها.

يتابع أن "الأمم المتّحدة كانت الداعم الوحيد لنا في لبنان. من دونها، لم نكن لنستطيع العيش لأننا لا نملك المال لاستئجار بيت، حالنا حال الكثير من النازحين". ويشير إلى أن والده وشقيقته عادا إلى سورية على الرغم من عدم انتهاء الحرب بعد. وكان الدافع الأساسي تلقّيه العلاج، خصوصاً أن العلاج في لبنان مكلف.

ويلفت إلى أنه في المجمع الذي يعيش فيه وأسرته ثمان وعشرون عائلة. جميعهم أعطوا مهلة للخروج. لكن هذه العائلات تعلم أنه ما إن تخرج، لن تحصل على أية مساعدات من الأمم المتحدة. يضيف أنه لدى مجيئهم إلى لبنان، كانت الأمم المتّحدة تقدّم لهم المساعدات. لكن في الوقت الحالي، تقلّص حجم الخدمات والمساعدات، علماً بأن أوضاع بعض العائلات أكثر مأساوية من غيرها، ويعاني بعض أفرادها من مشاكل صحية، على غرار آلام في الظهر، وغيرها من الأمراض التي تتطلب أدوية وعلاجات، وتمنعهم من العمل. وفي حال خرجت العائلات من المجمع، سيكون مصيرها الشارع. "صارت تربطنا في المجمع علاقات حميمة وأسرية، فقد اعتدنا على بعضنا البعض في المجمّع".