السوريون يبحثون عن المسحّراتي

السوريون يبحثون عن المسحّراتي

02 يوليو 2016
فقدت كثير من المناطق عاداتها (فرانس برس)
+ الخط -
"قوموا على سحوركم.. إجا رمضان يزوركم"، "يا صايم وحّد الدايم"..."اصحَ يا نايم وحّد الدايم". هذه العبارات كانت تترافق مع قرع الطبلة في ليالي رمضان، ينشدها المسحّراتي، أو المسحّر، ليوقظ المؤمنين النائمين قبل أذان الفجر علّهم يتناولون بعض الطعام والماء الذي سيعينهم على صيام النهار. كان في بعض المدن السورية الكبرى يرتدي زيّه العربي الأصيل، فيشكل جزءاً من الفولكلور الرمضاني السوري.

كلّ هذا غاب تدريجياً في السنوات الأخيرة، ليختفي المسحّر وما معه تماماً في رمضان الحالي. السوريون فقدوا كثيراً من طقوسهم الرمضانية بشكل عام في كثير من المناطق. ريف حمص الشمالي الخاضع لسيطرة الفصائل المسلحة المعارضة والإسلامية، شهد هذا العام على اختفاء المسحّر وأناشيده. بالكاد ظهر في بعض المناطق وبشكل غير متواصل. خروجه لإيقاظ الناس يرتبط دائماً بالوضع الميداني، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقصف.

يقول الناشط في ريف حمص، يعرب الدالي، لـ"العربي الجديد": "في مدينة تلبيسة وهي إحدى المدن القليلة التي خرج المسحر في بعض شوارعها، كان في إحدى ليالي رمضان الجاري ينشد كعادته: "قوموا على سحوركم، إجا رمضان يزوركم". لكنّ الطيران حلّق فوقه، فصاح عندها: "قوموا على سحوركم، إجا الروسي يزوركم".

يضيف: "لم يعد المسحّر موجوداً بالفعل في ريف حمص الشمالي، فلا راتب مخصصاً له ولا يستطيع أن يتجوّل في مناطق واسعة لمحاذير أمنية، فالناس ليس لديها الوفر الذي كان، لتملأ سلته بالأطعمة من طبخ وحلويات. ولن تكون قادرة على معايدته في ليلة العيد الأولى بأيّ مبلغ مالي كما جرت العادة".

في مناطق سورية أخرى اختفى المسحّر تماماً بسبب الأعمال العسكرية، كما هو حال مدينة داريا في ريف دمشق الغربي، بسكانها الثمانية آلاف المحاصرة منذ نحو 4 سنوات بشكل مطبق، مع استمرار قصفها بالبراميل المتفجرة والقذائف المدفعية. لا يخرج السكان من مخابئهم إلا في ما ندر، فالتنقل بين المنازل خطير، ومن غير الممكن تجول المسحّر. حتى المؤذّن غاب عن المدينة، ولم يعتمد السكان إلاّ على تطبيقاتهم الهاتفية لمعرفة مواقيت الصلاة والإمساك والإفطار.

مع ذلك، ليست جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة متشابهة. فقرى ريف درعا البعيدة عن الجبهات، عاشت أجواء رمضانية بالفعل. فهي وإن كانت تشارك السوريين جميعاً فقر الحال إلاّ أنّ المسحّر لم يغب عن ليالي قراها. الأمر مماثل في بعض المناطق التي توصلت مع النظام إلى هدنة أوقفت الأعمال العسكرية مقابل إدخال المساعدات الإنسانية، كحال ببيلا ويلدا وبيت سحم جنوب دمشق والقابون شرقها، وقدسيا غربها. هي مناطق عاشت هذا العام شيئاً من طقوس رمضان حيث سمع الأهالي صوت المسحر وقرعه على طبلته وعلى أبواب البيوت.



وفي الطرف الآخر حيث ما زالت قوات النظام تسيطر، حاول السوريون المحافظة على شيء من مظاهر حياتهم الطبيعية، على الرغم من الغلاء الفاحش مقارنة بدخلهم، وانتشار الحواجز التابعة لمختلف الأجهزة الأمنية والمليشيات الموالية، الأمر الذي يجعل التنقل بين المناطق يحمل صعوبة كبيرة من جراء الازدحام الشديد، ومخاطر المرور بتلك الحواجز. وترتفع نسبة المخاطر ليلاً بشكل كبير بسبب تواجد دوريات سيارة للأمن، وهو ما منع المسحّر من العمل في كثير من الأحياء.

يقول أبو عبدالله، وهو من أهل حي الميدان الدمشقي، لـ"العربي الجديد": "هذا الحيّ كانت له طقوسه المميزة، وكان الناس يأتون إليه من مختلف أنحاء المدينة ليسهروا في سوق الحي المعروف بمطاعمه ومحال حلوياته وأجوائه الرمضانية.. فأصوات بائعي عرق السوس والتمر هندي تملأ المكان. كانت هذه الحركة تستمر حتى مرور المسحر قبل نحو ساعة على موعد صلاة الفجر، بلباسه العربي وطبلته وأناشيده الرمضانية، فيوقظ الأهالي، ويعلم من بقي في السوق باقتراب ساعة الإمساك. كذلك، كان ميسورو الحال ينقلون معه بعض الأطعمة أو المساعدات المالية إلى الفقراء، يحملها بسلته التي لا تفارق يده".

يتابع "رمضان هذا العام اختلف الحال فيه. فسوق الميدان أغلق أبوابه مع حلول منتصف الليل، وصوت المسحر لم يصل إلى جميع الحارات. أما سلّته فلم تحمل إلاّ القليل له أو للفقراء".
يبقى التذكير أنّ نحو نصف الشعب السوري هجّروا من منازلهم، كما دُمّرت مناطق سكنية في مدن وبلدات بشكل كامل أو جزئي. كذلك، يعيش أكثر من مليوني مدني سوري تحت الحصار في عدة مناطق معانين من الجوع.