المتملّقون

المتملّقون

28 يونيو 2016
تستحق جماهيراً عريضة تهتف لها (Getty)
+ الخط -

نادراً ما تقال كلمة الحق الإيجابية لشخص ما. فكلمة المديح الصادقة، أو التهنئة الصادرة عن قلب - من دون ضغينة أو حسد - على جهد أو إنجاز ما، لا تقال غالباً، ويُحتفظ بها. معظم الناس لا يحبّذون قول كلمة الحق تلك لمستحقيها.

هم يعوّضون عن ذلك كثيراً في كلمة الحق الأخرى.. تلك السلبية التي تذهب في الانتقاد المغلّف بطابع "أقول ذلك من أجلك فحسب"، إلى حدود غريبة تتغافل حتى عن كلّ إيجابية سابقة للشخص، مهما كانت إيجابياته تغلب سلبياته.

وعلى النقيض من كلّ ذلك، يغلب على كثير من مجتمعاتنا طابع النفاق، لكن المرتبط بالنفعية، ولو غير مضمونة النتائج. فيظهر كأنّه استثمار في النفاق يراهن المنافق على جني نتائجه المادية بعد حين. يؤمن المنافق بنفاقه، ويتخذه منهج حياة يستخدم فيه الأداة الأكثر بروزاً وهي "مسح الجوخ"، أي التملّق.

كلّنا نعرف أنّ نكتة الغني مضحكة، ونكتة الفقير يستحق الضرب عليها. كلّنا نعرف أنّ تلك النجمة تستحق جماهير عريضة تهتف لها، بينما غيرها، مهما كان ذا عمل قيّم وربما تاريخ عريق، يواجه تجاهلاً من مؤسسات صناعة الثقافة بالذات في هذه البلاد.

في تفسير عبارة "مسح الجوخ" ودلالتها على التملّق، تظهر صورة ذلك الثري ابن الطبقة الراقية في بلادنا الذي يرتدي معطفاً من جوخ، وهو ما لم يكن يتوفر للعامة في بدايات زمن تغريب اللبس. فإذا أراد أحد ما، عادة ما يكون من موظفيه، طلباً ما، جعل ينفض ما لا يُرى من شوائب عن معطفه، أو يمسح عليه برفق دلالة زيادة الترتيب في الهندام. وحين نعلم أنّ اللمس مهارة اجتماعية، غير لفظية، حقيقية وفعّالة، ندرك ذلك التأثير الكبير لمسح الجوخ، ووقعه في نفس الممسوح جوخه زيادة في الكِبَر من سلطة وثراء وقدرة على تغيير الأوضاع. يحصل الماسح بذلك على مراده. وما هو إلاّ تملّق محض.

تتحول الممارسة من استراتيجية نفعية إلى دأب يومي، وممارسة اعتيادية تتغلغل في أعماق السلوك، فيدخل كلّ تصرف، وكلّ ردّة فعل، في باب التملّق مهما كان الوضع.

في الحياة العامة تجد الكثير من المتملّقين. في السياسة هم كثيرون جداً، تجدهم يتسلقون المناصب بتملّق زعمائهم. وفي الوظائف وغيرها من المهن هم أكثر بكثير مهما كان عليه شكل الوظيفة أو المهنة، من دوائر الدولة وأجهزتها الأمنية إلى القطاع الخاص والمهن الحرّة.

وفي مجتمعات تعيش بمثل هذه الطريقة، يصل المتملّقون دائماً إلى أهدافهم، بعيداً عن ثقافة الحقوق. حتى يبدو من لا يعرف مسح الجوخ هو العنصر الشاذ الذي يستحق المزيد من الانتقادات القاسية على فعل واحد سلبي ارتكبه، من دون توجيه كلمة حق إيجابية إليه يوماً.


المساهمون