الفلوجة تصب الحزن على موائد العراقيين الرمضانية

الفلوجة تصب الحزن على موائد العراقيين الرمضانية

26 يونيو 2016
جثامين أبنائهم منعتهم من الفرح بالشهر الفضيل (Getty)
+ الخط -
تحول شهر رمضان عند كثير من العراقيين إلى شهر حزن؛ فجثامين أبنائهم القادمة من معركة الفلوجة منعتهم من الفرح بالشهر الفضيل، والاستمتاع بطقوسه.

وكانت الحكومة العراقية تنوي "تحرير" الفلوجة من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قبل حلول شهر رمضان، حين أعلنت انطلاق معركة الفلوجة في 23 من شهر مايو/ أيار الماضي. لكن المقاومة التي واجهتها القوات العراقية والمليشيات المشاركة معها، منعت تحقيق طموح القوات العراقية، والتي تشير تصريحات من داخل المدنية، إلى أن القوات العراقية المشتركة لم تسيطر سوى على ما نسبته نحو 30 في المائة من المدينة حتى الآن.

وتتواصل الاشتباكات بين القوات العراقية وعناصر "داعش" في مناطق مختلف داخل المدينة التي فرضت الأخيرة سيطرتها عليها منذ سنتين.

وعلى إثر هذه الاشتباكات، يسقط يومياً، ومنذ انطلاق المعارك، عشرات القتلى من القوات العراقية، وذلك بحسب مصادر عسكرية من داخل المدينة، فيما لا توجد حصيلة متوقعة لقتلى "داعش"؛ كونه لا يصرح بخسائره. 

وانتشرت في المدن العراقية، لا سيما العاصمة بغداد، لافتات تدل على وجود بيت عزاء لقتلى قضوا نحبهم في معارك الفلوجة. 

وفي مدينة الصدر شرقي بغداد تكثر تلك اللافتات، فالمدينة بالإضافة إلى كثافتها السكانية فهي معقل "سرايا السلام" التي تعرف بأنها واحدة من أشهر المليشيات، وأكثرها عدداً، وهي تشارك في القتال بالفلوجة.


ويفسر الشيخ أحمد العبيدي، عضو مجلس شيوخ عشائر بغداد، اختفاء مظاهر رمضان في الكثير من أزقة مدينة الصدر، بأن عوائل هذه الأزقة تشتهر بالألفة وروح المشاركة في المناسبات، وهو ما يشرح الحزن الذي يخيم على معظمها؛ بسبب كثرة الجنود القتلى الذين تفد جثثهم من معركة الفلوجة.

ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "الجيران في هذه المدينة بشكل خاص، وجميع مدن العراق عموماً يتشاركون المناسبات، لذلك فإنهم يشاركون عائلة الشهيد حزنها، وهو ما يطغى على المشهد الرمضاني".

ولم يمض من الوقت أكثر من شهر على خطوبة سرمد العيساوي، والنية كانت أن يعقد قرانه منتصف سبتمبر/ أيلول المقبل، حتى سبق مقتله زفافه.

يقول حيدر ظافر، أحد أصدقائهن بأن "مثل سرمد الآلاف في القوات العراقية والحشد الشعبي. إنهم بسطاء لا همَّ لبعضهم سوى أن يوفروا مصدر دخل لعوائلهم وهو ما دعاهم إلى التطوع في الجيش، وآخرون لبوا نداء المرجعية، فتطوعوا للدفاع عن الوطن ومقاتلة داعش، في أي مكان بالعراق".

ويضيف ظافر لـ"العربي الجديد" أن "عدد ضحايا معركة الفلوجة يبدو كبيراً" مشيراً إلى أن "اثنين من جيراننا استشهدا في معركة الفلوجة، خلال الأسبوع الأول من رمضان، وهو ما جعلنا ننسى ابتهاجنا بالشهر الفضيل، بل صارت مأدباتنا استذكاراً لأصدقائنا وأقاربنا الذين استشهدوا في الفلوجة وافتقدناهم".

نهلة جاسم تشدد على ولدها أن يسمعها صوته في أقل تقدير، إن لم يستطع الاتصال بالصوت والصورة عبر الإنترنت، عند موعد الإفطار، لكي يتسنى لها أن تفطر.

تبدأ بالدعاء لولدها "علي" قبل أن تأكل أولى تمرات الفطور، فيما دموعها لا تكاد تنقطع حتى تعود وتنهمر مرة أخرى. تنصحه بأن يبتعد عن مواقع الخطر، بل تطالبه دائماً بأن يهرب ويترك المعركة، "ما لنا وهذه الحرب، لقد فقدت أخي قبل خمسة أعوام، هذا يكفي" تقول نهلة وهي تتحدث لـ"العربي الجديد"، مبينة أن "من يضحون بأرواحهم دائماً هم أبناء عوام الناس الذين لا دخل لهم، فيما أبناء المسؤولين عن نشوب المعارك وحصول الكوارث في بلدنا ينعمون بالحياة كيف يشاءون".

"مرة أخرى يشمل دعاء الإفطار سلامة أبنائنا في المعارك، يا له من ابتلاء، أن نكوى بنار فراق من نحبهم، ألا تجمعنا بهم خير أيام الله"، يقول ياسين مجبل الذي يشارك في معركة الفلوجة اثنان من أبنائه، هو دائم الدعاء لأولاده بالنجاة من القتل "لا نريد المزيد من القتلى، لقد فقدنا الكثير من أبنائنا منذ أكثر من 30 عاماً" يضيف وهو يكفكف دموعه.

وأوضح مجبل في حديث لـ"العربي الجديد": لقد "استشهد أكبر أخوتي في حرب الثماني سنوات مع إيران، وأخي الثاني فقد في نفس الحرب دون أن نعرف عنه أي شيء حتى اليوم، ثم استشهد ولدي بقصف أميركي على الجيش في البصرة بمعركة الكويت، وأصيبت ابنتي بشلل من جراء تفجير إرهابي عام 2009، وها أنا وزوجتي التي أصيبت بعدة أمراض بسبب تلك المصائب وباقي أفراد أسرتي يكوي قلوبنا الخوف على مصير محمد وأحمد حيث يقاتلان في الفلوجة".

يحاول كثيرون أن يتجاهلوا اللون الأسود الذي تتشح به جدران الأحياء في مواقع رئيسية، وهي تعلن عن نبأ ميت جديد كتب اسمه على اليافطات السوداء اللون وتاريخ ومكان مقتله، وقبل هذا كله عبارة "الشهيد السعيد" المتعارف عليها بأنه تدل على أن المتوفى قتل في معركة ما. هكذا اعتاد العراقيون أن يعلنوا عن وفياتهم، لكن تلك الإعلانات أصبحت تدمي القلوب في وقت يرونه غير مناسب للحزن، إنه شهر رمضان الذي كانوا ينتظرون أن يجمعهم وأولادهم على موائده.