نزوح اليمنيّين يلمّ الشمل

نزوح اليمنيّين يلمّ الشمل

30 ابريل 2016
أدى النزوح إلى التقارب بين بعض الأسر (العربي الجديد)
+ الخط -

في التاريخ القريب، لم يعرف اليمنيون معنى النزوح، ولم يختبروا مآسيه قبل عام 2004، مع بدء الحرب مع جماعة أنصار الله (الحوثيون) في محافظة صعدة في أقصى شمال البلاد. وبعد توسّع الصراع ليطاول معظم المحافظات اليمنية، زاد عدد النازحين بشكل كبير وصار لكل أسرة نازحة قصتها.

كان للحرب الفضل الأول في لمّ شمل أسر لطالما كانت منفصلة عن بعضها بعضاً لأسباب عدة. نزحت عائلة محمد مرشد من صعدة خلال الحرب الحالية، لتقيم في بيت العائلة الكبير مع عائلتَي شقيقيه في قريتهم في محافظة إب (وسط). يقول لـ "العربي الجديد": "اجتمعنا مع أسرتَي شقيقيّ بعد غياب استمر 16 عاماً بسبب مشاكل حول أرض زراعية ورثناها عن والدنا". ويشير إلى أنه "عندما غادر قريته إلى صعدة، قرر التأسيس لمستقبله من الصفر. اشترى محلاً واستأجر بيتاً. لكن الحرب أجبرته على العودة إلى قريته". يتابع مرشد: "تحسّن وضع شقيقَيّ المالي خلال السنوات الماضية، وقرّرا تسوية الخلافات، وها نحن نعيش في قريتنا مجدداً، ولا ننوي العودة إلى صعدة، خصوصاً أن الأوضاع الأمنية لن تتحسن في المدى القريب".

من جهة أخرى، عانت أربع أسر لأشقاء بسبب الخلافات التي استجدّت بينها، بعد نزوح عائلتَين من مدينة تعز بسبب القتال المستمر في شوارعها، وانضمامهما إلى الاثنتَين اللتَين تعيشان أصلاً في إحدى القرى التي تبعد 70 كيلومتراً عن تعز. في هذا الإطار، يقول ياسر وهو رب إحدى الأسر المضيفة، إن عائلته كانت متشوقة لاستقبال أسرتَي شقيقَيه في بيت العائلة الكبير، "لنعيش معاً ونقضي إجازات الأعياد والمناسبات. لكن لم يحدث ما كان في البال". يضيف أن "الحرب دمّرت جزءاً من منزل شقيقي، فيما تضرر عمل الآخر. قدما إلينا من دون أن يملكا أي شيء في حوزتهما". وصارت العائلتان اللتان تعيشان في القرية أصلاً، مضطرتان إلى رعاية العائلتَين الوافدتَين وتأمين طعامهما، "علماً أن المؤونة التي نملكها لا تكفي الجميع، في ظل الجفاف الذي يضرب المنطقة للعام الثالث على التوالي". ويتابع ياسر أنّ ظروفاً أخرى أدت إلى نزاعات زادت مع الوقت بين النساء والأطفال، لتصل إلى الإخوة أحياناً. ويلفت إلى أنهم اضطروا في النهاية إلى فصل الأسر الأربع عن بعضها بعضاً داخل المنزل الواحد.




بغضّ النظر عن السلبيات، فقد ساهم النزوح في تعريف أسر جديدة على بعضها بعضاً، وتمتين العلاقات الإنسانية في ما بينها، في ظل تقدير الأسر المضيفة لظروف العائلات النازحة. وتعدّ محافظة البيضاء وسط البلاد إحدى المناطق الريفية التي يغلب عليها الطابع القبلي شبه البدوي، والذي عادة ما تتميز بالروابط القوية بين أفراد المجتمع. هناك، ترى الناس أكثر حرصاً على إغاثة الأسر المتضررة، خصوصاً إذا كان من بين النازحين نساء وأطفال.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المحافظة تعاني من صراعات مختلفة، خصوصاً بين القوات الحكومية وعناصر تنظيم "القاعدة". وفي الوقت الحالي، ثمة معارك بين قوات المقاومة المحلية المناصرة للسلطة الشرعية وبين الحوثيين الذين اقتحموا جميع مناطقها.

أسرة أحمد القيفي فرت من بيتها بسبب الاشتباكات العنيفة والحصار المفروض الحوثيون على قريتها. وكانت أكثرية أسر القرية قد اضطرت إلى النزوح إلى خارجها في بداية عام 2015، لتستقر في بعض الجبال بالقرب من قرية المتار الأكثر أماناً ليومين، في ظل البرد القارس. في وقت لاحق، جاء إليهم عدد من رجال القبائل، وطلبوا منهم الإقامة مع أسرهم وفي بيوتهم وتقاسم مؤنهم. هكذا، أقامت النساء والأطفال في منزل أحد المزارعين، فيما أقام البالغون الذكور من الأسرتين في غرفتين منفصلتين عن المنزل. خلال هذه الفترة، شعر القيفي بالحرج بسبب كرم الضيافة وحسن المعاملة، وقد أصرّ وابنيه على مساعدة مضيفه في أعماله على الرغم من ممانعة الأخير. في هذا السياق، يقول إن "كرم مضيفه ومعاملته خلقا بين الأسرتين علاقة قوية فيها كثير من التقدير والثقة". ويلفت إلى أنه عاد إلى منزله بعد توقف المواجهات المسلحة في قريته، إلا أنه ما زال على تواصل مع هذه العائلة التي استضافته خلال نزوحه.

وكانت منظمة الهجرة الدولية قد أشارت إلى أن 2.4 مليون يمني نزحوا من مناطقهم بسبب الحرب الدائرة في محافظات يمنية مختلفة، أي نحو 10 في المائة من إجمالي عدد السكان. ويقطن هؤلاء بمعظمهم في مخيمات أو مع أسر مضيفة، ويتشاركون الموارد المحدودة غالباً.