"موتوسيكلات" ملعونة

"موتوسيكلات" ملعونة

22 مارس 2016
لا يبالي بشتائمهم الملونة (فرانس برس)
+ الخط -

لا يعرف الفتى الذي ضرب يد الرجل وهرب، شيئاً عنه. لم يلتق به من قبل ولم يتحدث معه. وحتى لو التقى به لا أرجحية لحديث قد ينشأ بينهما من أيّ نوع.

هذه هي العلاقة الوحيدة بينهما. قاد دراجته النارية الصغيرة بصوتها المزعج. خرج من الحيّ الذي يسكن فيه إلى الشارع العام. رآه واقفاً عند مفترق الطريق، مع صديق له، يضع هاتفه على أذنه، ويلوّح بيد أخرى يحمل بها علبة سجائر. عندها قرر -أو ربما تصرف عن عادة ناشئة لديه، أو متأصلة، فالحركة كانت سريعة جداً- أن يعتدي عليه. ضرب يده التي يحمل بها علبة السجائر. جفل الرجل. تابع الفتى سيره بالدراجة وهو يضحك بصوت مراهق مزعج، من دون أن يتعرف به الرجل الذي أسقط ما في يديه الاثنتين أرضاً، فالتقط صديقه أغراضه.

ليست المسألة أنّ الفتى سيئ الأخلاق والرجل حسنها. الاثنان ابنا مجتمع واحد. كلّ منهما بحسب بيئته الصغيرة وعمره وتجاربه ووضعه الاقتصادي يتلقى الوجبة اليومية نفسها من الشعارات والقيم من خلال أكثر من وسيلة: سياسية، واجتماعية، ودينية، ومذهبية، ومنزلية. وكلّ منهما يتفاعل مع تلك الشعارات والقيم بسبيل، فيلتزم بها أو يعيد تشكيلها أو حتى يرفضها لصالح قيم أخرى. ربما يتشابهان تماماً. وربما لا يتشابهان.

الفتى عندما أكمل طريقه، أثبت أنّه لم يقصد الرجل بالذات في الاعتداء، بل وجده فرصة سانحة ربما في وقوفه عند المفترق على قدميه بينما يتحدث عبر الهاتف. فمع قهقهته العالية، جعل يشير إلى الركاب والسائقين في السيارات العالقة في الزحام بشارة الأصبع البذيئة، ولا يبالي بشتائمهم الملونة. كان يشمت بهم لتمكنه وحده من متابعة السير بالقرب منهم، بالرغم من ركوبه دراجة لا يتجاوز سعرها وهي على هذا الحال مئة دولار أميركي، إذا تمكن من بيعها أساساً.

الرجل بدوره، لم يتوقف عند حدّ شتم الفتى من بعيد. فقد تحول كلّ سائق دراجة يصادفه إلى نظير للفتى لا بدّ من الانتقام منه. شتم واحداً مرّ أمامه من دون أيّ ذنب. شتم آخر بالطريقة نفسها، وتابع: "يلعن أبو الموتوسيكلات كلّها". لكنّ الأخير نزل عن دراجته، ولم يكن فتى صغيراً، بل شاب ضخم تبدو عليه علامات من يشتري المشاكل شراء. لكم الرجل في وجهه وبطنه. وتابع سيره من دون أن يلتفت إليه يتألم ويتلوى بينما لم يتمكن الصديق مجدداً من المساعدة.

مضى الفتى معتدياً وشاتماً ومشتوماً. مضى الشاب ضارباً ومشتوماً. ولم يبقَ إلاّ الرجل مكانه معتدى عليه وشاتماً.

اقرأ أيضاً: على درّاجة ناريّة

دلالات

المساهمون