قانون "الجمعيات الأهلية" المصري.. عودة إلى عصر التأميم

قانون "الجمعيات الأهلية" المصري.. عودة إلى عصر التأميم

30 نوفمبر 2016
يهدف لتقويض العمل المدني والحقوقي (Getty/ فرانس برس)
+ الخط -
في غضون ست ساعات تقريباً، وافق مجلس النواب المصري، على قانون المنظمات والجمعيات الأهلية غير الحكومية، بعد موافقة مجلس الدولة، الهيئة القضائية التي تراجع التشريعات في مصر، وأرسله للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتوقيعه ليصبح قانوناً فاعلاً.

يبلغ عدد الجمعيات الأهلية، بحسب بيانات وزارة التضامن الاجتماعي 40 ألف جمعية. والقانون لاقى ولا يزال اعتراضات واسعة من جانب المهتمين بالعمل الأهلي في مصر، حيث صاغه عدد من النواب وقدموه رسميا للنقاش يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتمت الموافقة على جميع مواده الـ89 في اليوم التالي مباشرة.

ووفقا للقانون الجديد، يجب على الجمعيات الأهلية الحصول على موافقة مسبقة على أي تبرعات تتجاوز عشرة آلاف جنيه. وإذا لم تمنح الموافقة خلال 60 يوما يعتبر الطلب مرفوضاً تلقائياً. وإذا لم يتم إخطار السلطات قد يعاقب المسؤولون عن ذلك بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وبغرامة تصل إلى مليون جنيه.

وعلّق الحقوقي المصري، محمد عبد العزيز، على إصدار القانون قائلا: "يوم أسود بموافقة البرلمان على قانون الجمعيات الأهلية، وتأميم العمل الأهلي وتسليط سيف الحبس على كل العاملين بالمجتمع المدني، مصر دولة بوليسية".

وقال مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد: "رئيس البرلمان عقب إقرار قانون قتل المجتمع المدني قال بفخر: البرلمان على قلب رجل واحد! اللي أنت فخور به؛ بيعتبرونه مصيبة في الدول الديمقراطية".

ويمنح القانون الحكومة سلطة تقرير من يحق له تأسيس جمعية أهلية وأهدافها. ويلزم الجمعيات بالعمل وفقا "لخطط الدولة للتنمية"، وهو ما يضع قيودا شديدة على العمل الذي قد تقوم به في مجالات لا تعتبرها الحكومة ذات أولوية.

ويمكن أن يحبس رؤساء الجمعيات والمنظمات الذين ينقلون مقر كياناتهم بدون إبلاغ السلطات لمدة سنة، كما أنه يمكن أن تصل عقوبة أي مخالفة للقانون إلى السجن 5 سنوات وغرامة تصل إلى مليون جنيه مصري (65,000 دولار). وأي جماعة لا تُسجل نفسها بموجب القانون الجديد في غضون 6 أشهر ستعتبر منحلة تلقائيا.



وتعتزم منظمات وجمعيات حقوقية مصرية إصدار بيان مشترك لرفض القانون. ووفقا للصيغة المبدئية للبيان التي اطلع عليها "العربي الجديد": "تعرب المنظمات الموقعة أدناه عن رفضها لقانون المنظمات الأهلية الذي أقرّه البرلمان بشكل نهائي وأحاله لرئيس الجمهورية دون طرحه لحوار مجتمعي حقيقي ومتعدد الأطراف، ودون حتى انتظار رأي أو تعليقات الحكومة ذاتها على القانون.

وتدعو المنظمات السيسي إلى استخدام صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 123 من الدستور والتي تجيز له الاعتراض على القوانين وردها لمجلس النواب، وذلك لوقف إصدار هذا القانون المعيب الذي يقضي على مئات بل آلاف المنظمات الأهلية الجادة التي تقدم خدمات مهمة للمواطنين المصريين، كما تؤكد المنظمات على ضرورة عدم إصدار هذا القانون دون حوار مجتمعي يأخذ في اعتباره رؤى ومقترحات كافة أصحاب المصلحة الوطنيين".

من جانبها، علقت رئيسة مؤسسة أهل مصر الخيرية، هبة السويدي، على القانون، عبر بيان لها قائلة "لولا تلك المنظمات لما صمد الشعب المحتاج إلى الطعام والأكل والعلاج والتعليم والماء والبيوت الآمنة، وغيره من الأدوار الجليلة التي يقدمها هؤلاء القائمون على هذه المؤسسات الأعوام الماضية".

في السياق ذاته، أعلن برلمانيون رفضهم للقانون ووصفوه بـ"قانون تكميم وتأميم العمل الأهلي في مصر"، ويخالف نص المادة 75 من الدستور الحالي، والمادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت الحكومة المصرية عليه والذي يعطي الحق في تكوين المواطنين للجمعيات الأهلية.

وقال عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري، ورئيسها السابق، محمد أنور السادات، إنّ الحملة الشرسة التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني في مصر الفترة الأخيرة، وما تلاها من تمرير قانون الجمعيات الأهلية للتضييق على عملها، وقمع العاملين بها، جاء بهدف تقويض العمل المدني والحقوقي والخيري.

وأطلق المركز المصري لدراسات السياسات العامة، بمشاركة السادات، حملة للتعريف بدور المجتمع المدني، وأهميته في تطوير المجتمعات، اليوم الأربعاء، للردّ على الصورة السلبية التي يصدرها رموز النظام الحاكم عن دور المجتمع المدني.

ونقل بيان للمركز عن السادات، قوله إن الذي أعد وناقش قانون الجمعيات الأهلية سيطر على عقله وتفكيره التمويل الأجنبي، وما يشوبه من شكوك وشبهات، استنادا إلى تجربة السنوات الصعبة الماضية من ثورات وعنف وتظاهر، وقد كان يتوجب معها أن يتجرد المُشرع، ويتسم بالحيادية عند وضع أي مشروعات قوانين حتى تخرج متزنة ودستورية.

وأشار السادات إلى أن القانون كان يجب أن يراعي التزامات مصر، وتعهداتها الدولية، إلا أن القانون الذي تم تمريره "لم يتبع أصول وقواعد التشريع حتى في أخذ رأي الحكومة، التي لم يتم الاستماع لها، وتأخرت عمدا في إعداد وإرسال قانونها إلى البرلمان".

كما أعلن تكتل "25-30" الذي يضم نوابا من عدة أحزاب، تحفُّظه على إصدار البرلمان قانون الجمعيات الأهلية، مطالبا السيسي بعدم التصديق على القانون، وإرساله إلى البرلمان مرة أخرى لمزيد من الدراسة.

وقال التكتل، في بيان له اليوم، "كنا قد أعلنّا رأينا في مشروع قانون الجمعيات أثناء مناقشته واعترضنا على مواد كثيرة واستهجنا الروح الحاكمة له من حيث الفهم الضيق لطبيعة عمل المجتمع الأهلي، واستنكرنا عدم إدراك حجم المشاركة الهائلة لعمل الجمعيات في التنمية والرعاية والتوعية وعلى الرغم من أن اعتراضنا وفتحنا لحوار حول القانون نجح في بيان وإعلام الرأي العام والأغلبية أعضاء مجلس النواب بعوار مشروع هذا القانون، وتصادمه مع صحيح المواد الحاكمة لعمل الجمعيات في دستورنا الأمر الذي فتح الباب لإعادة المداولة مرة أخرى والاستجابة لمبدأ التعديل".