جثامين هولندا نحو الحرق

جثامين هولندا نحو الحرق

27 نوفمبر 2016
مقبرة في هولندا (العربي الجديد)
+ الخط -
ترتفع كلفة استئجار المقابر في هولندا، الأمر الذي يدفع البعض إلى تفضيل خيار حرق الجثامين. في المقابل، يرغب مسلمون في دفن ذويهم وفق الشريعة الإسلامية، ويعانون بسبب الكلفة العالية

وفق القانون الهولندي، فإن مدة شغل القبر ليست أبدية، وتحتاج إلى التجديد بحسب عقد متّفق عليه. من هنا، وفي ظل الكلفة العالية للدفن والقبر والجنازة، يبدو أنه بات هناك ميل إلى حرق الجثامين. اليوم، لا يمانع كثيرون كسر التقاليد العائلية المتعلقة بالدفن والجنازة والتعازي. هؤلاء يفضّلون حرق الجثة ووضع الرماد في جرة.

تجدر الإشارة إلى أنّ المقابر التاريخيّة والقديمة تكلّف الخزينة العامة مبالغ كبيرة سنوياً بدل صيانتها. لذلك، يدفع أهل الفقيد مبلغاً شهرياً يختلف من مقبرة إلى أخرى، ومن قبر إلى آخر. وكما يختلف البدل الشهري بحسب موقع القبر، فإن مدة بقائه أيضاً قابلة للتغيير والمساومة. مثلاً، يمكن أن تمتد مدة استئجار القبر عشرين عاماً، إلا أنّ زيادة المدة تتطلّب تجديد العقد والالتزام المالي من قبل الورثة. ويعدّ البدل المالي في بعض المقابر القديمة والتاريخية مرتفعاً حتى بعد مرور وقت طويل على الوفاة وحفر القبر، علماً بأنّ القوانين المتعلّقة بكلفة وطبيعة القبر معقّدة بعض الشيء، وتختلف من بلدية إلى أخرى.

في الوقت الحالي، فإن الكلفة العالية للجنازة والقبر تدفع عدداً من الهولنديين، خصوصاً غير المتديّنين منهم، إلى حرق الجثامين، علماً بأن كلفة الجنازة والقبر تقدّر بنحو ثمانية آلاف يورو أو أكثر، فيما لا تتجاوز كلفة الحرق واستقبال المعزين الألف و500 يورو، على أن يتصرّف أهل الفقيد برماده كما يشاؤون، أو وفقاً لوصيّته. وحتى لو قرّر الورثة استئجار قبر للجرة التي تحوي الرماد، فإنّ كلفة هذه المساحة الصغيرة تعدّ مقبولة بالمقارنة مع القبر العادي.

وتتضمن آلية الحرق وضع جسد المتوفى في تابوت قبل إدخاله إلى غرفة النار، حيث يبقى نحو نصف ساعة. بعدها، لا يبقى من الجسد إلّا رماد لا يتجاوز وزنه ثلاثة كيلوغرامات. ثم يوضع الرماد في جرة يكتب عليها اسم المتوفى وتاريخ ولادته ووفاته، إلى جانب تاريخ الحرق. وهناك من ينقش عبارات عليها.

تجدر الإشارة إلى أن حرق الجثامين شرّع في هولندا في عام 1968. ورغم أن بعض الكنائس لا تحبّذ الأمر، إلا أن الشباب بدأوا يوصون بحرق جثثهم بعد الوفاة، والتبرع بأعضائهم قبل إتمام هذه العملية. في هذا السياق، تحتفظ دوليندا، وهي مدرّسة، بجرة فيها رماد والدتها. تقول لـ "العربي الجديد": "في بعض الأوقات، أجلس برفقة الجرة وأشعر بالاطمئنان قربها". تضيف: "ما زلت أحتفظ بشيء منها". ويضع البعض الجرار على الشرفات أو قرب البحيرات أو في الأمكنة التي كان الموتى يفضّلونها.

في المقابل، فإن الحرق يقلق بعض المسلمين المقيمين في هولندا. ويقول عاملون في منظمات دفن إسلامية إنه رغم السماح بإنشاء مقابر لبعض الطوائف أو المذاهب، إلا أن تحديد وقت إشغال القبور وارتفاع كلفة الحصول على قبر وغيرها تضغط الشباب من الجيل الثاني والثالث، الذين يرغبون في الدفن وفق الشريعة الإسلامية في هولندا.

في هولندا مقابر إسلامية وجدت منذ عقود، وهي قبور دائمة. إلا أن غالبية المقابر التي يدفن المسلمون فيها ذويهم هي مقابر مختلطة للمسيحيين واليهود والمسلمين، ما يعني أنه على الورثة وأهل الفقيد نقل جثمانه أو تجديد العقد بعد انقضاء مهلة إشغال القبر. وتتراوح كلفة الدفن في المقابر الإسلامية ما بين ألفين و500 يورو وثمانية آلاف يورو. والرقم الأخير هو كلفة القبر في المقبرة السورينامية، بحسب الشيخ عبد العزيز الهواري من جمعية الرحمة للدفن الإسلامي. يضاف إلى ما سبق مائة يورو تدفع سنوياً لتنظيف وصيانة المقبرة. ويقول لـ "العربي الجديد" إن بعض الأشخاص لا يلتزمون بالدفع أو يمتنعون عن تجديد عقد إشغال القبر بعد مضي عقد أو عقدين على الوفاة.

ويدفع المسلمون نحو خمسة آلاف يورو هي كلفة الدفن والنعش وغسل الفقيد. ولأنهم يفضّلون إتمام كل شيء بسرعة، انطلاقاً من أن "إكرام الميت دفنه"، تزيد الكلفة. وليس أمام أهل المتوفى إلا الدفع. تجدر الإشارة إلى أنّه يمكن التأمين على قبر من خلال اشتراك سنوي بسيط لا يتجاوز ثلاثين يورو. ويلفت الهواري إلى أن البلديات تساعد أهل المتوفى بجزء من مصاريف الدفن، لكنها غير كافية، ما يؤدي إلى جمع المال في المساجد لتغطية النفقات.

بالإضافة إلى نحو مليون ونصف مليون مسلم في البلاد، وصل مؤخراً آلاف اللاجئين المسلمين. هؤلاء قد لا يرغبون بأن يدفنوا خارج هولندا في حال وفاتهم، ما قد يدفعهم إلى المطالبة بإنشاء مقابر للمسلمين.

دلالات

المساهمون