مدرّسات منفيّات في قرى المغرب

مدرّسات منفيّات في قرى المغرب

23 نوفمبر 2016
خارج إحدى المدارس (العربي الجديد)
+ الخط -
تشكو مدرّسات في المغرب من ما يُفرض عليهنّ من قبل وزارة التربية، واضطرارهنّ إلى التدريس في المناطق النائية، كشرط لحصولهن على وظيفة حكومية. في هذه المناطق، يتعلّمن كيفيّة التخلّص من الزواحف السامّة التي قد تودي بحياتهنّ، عدا عن كونهن يعشن في مساكن غير لائقة وغير آمنة.

سكينة بن رياض، التي تعمل في إحدى مدارس إقليم سيدي قاسم (شمال المغرب)، تقول لـ "العربي الجديد"، إنّ "المناخ وطبيعة المكان أمران قاسيان. ونحن مجبرات على النوم في القسم الداخلي للمدرسة، بعد رفض أهل القرية تأجيرنا بيوتا. كما أنّ الطريق إلى المدرسة غير معبّدة، والمدرسة متهالكة ونوافذها محطّمة".

عملت سكينة سابقاً في مدينة تارودانت (جنوب المغرب) على مدى 13 عاماً، حيث تزوّجت وأنجبت طفلة ثم تطلّقت. وبعد انتقالها إلى إقليم "سيدي قاسم"، اضطرت إلى ترك طفلتها مع جدّيها وزوجها السابق. تقول: "عملي في تارودانت جعل علاقتي بعائلتي فاترة، ولم أكن أملك المال الكافي لزيارتهم في مدينة مكناس".

وتلفت إلى أنّ بيئة العمل الحالية غير مشجعة. "سابقاً، كنت أعمل في مجال حيوي. لكن في المدرسة الحالية، لا توجد وسائل لتنفيذ أية نشاطات للتلاميذ، ولا يلتفت المسؤولون إلى الأوضاع الكارثية التي تعاني منها المدرسة، خصوصاً في فصل الشتاء. ولا أستطيع تقديم شكوى".

ويجد آلاف المدرّسات المغربيّات أنفسهن مجبرات على العمل والعيش في بيئات أخرى جديدة ومختلفة عنهن، ويصرن مجبرات على الاختيار بين حياتهنّ العائلية والمهنية. ويعدّ تعيين مدرّسات في مناطق نائية إحدى أبرز المشاكل التي تواجهها المدرّسات وأسرهنّ نتيجة البعد. في هذا السياق، تشير مديرة جمعية المرأة من أجل المساواة والديمقراطية، فاطنة أفيد، لـ "العربي الجديد"، إلى أن قطاع التعليم في المغرب يعاني من مشاكل عدة، أبرزها ضعف المؤسسات وعدم توفر أماكن للسكن وغيرها. وتلفت إلى أن بعض المدرّسات يقطنّ في الأقسام التي يدرّسن فيها، وقد يتعرّضن للتحرش والاغتصاب والإهانة من قبل الأهالي، الذين يفضّلون مدرّسين ذكورا. ويرى غالبيّة أهالي القرى أنّ المدرّسات يشكّلن خطراً نتيجة الاختلافات الثقافية والمجتمعية، ما يضطرّ بعضهنّ إلى الالتزام بأزياء أهالي القرية. وتشير أفيد إلى المدرّسة خديجة الشايب، التي عمد شاب إلى فقء عينها، ما دفع الوزارة إلى نقلها إلى مكان آخر وتعويضها عن الحادثة.

وتلفت أفيد إلى أن أسراً عدة تشتّتت أو انفصلت. وفي حالات أخرى، تكثر المشاكل الأسرية، فيما تصاب مدرّسات بأمراض نفسية نتيجة عملهنّ في مناطق نائية. ولم تهتمّ بعض الحركات النسوية والحقوقية في البلاد بأوضاع المدرسات، باعتبار الأمر "شأناً نقابيّاً"، بحسب أفيد. تضيف أن مدرسات كثيرات تضرّرن لأنهن لم يحظين بالدعم الكافي.



كذلك، لا تراعي وزارة التربية "الجندرة" لدى تنظيمها انتقال المدرسين من مكان إلى آخر. علماً أن مدرسات كن قد عملن سنوات طويلة في مناطق نائية. وتشرح أفيد أنه من الناحية القانونية، تتطلّب الحركة الانتقالية شرط العمل لمدة سنتين في مكان معين، للتمكن من تقديم طلب بالانتقال، وقد أعطت الأولوية للمتزوجين. لكن تكمن المشكلة في سياسة عدم التوظيف.
وتشكو سكينة من "الشروط المجحفة التي تقيّد طلب الانتقال". تقول: "بعد عامين من العمل يمكننا تقديم طلب انتقال، لكن الأولوية للمدرسات المتزوجات. هذا العرف التربوي مجحف. كذلك، لا توجد شروط محددة للتعليم داخل المدن، لكنّ وزارة التربية تفضل أن توظف المدرسين الأكبر سناً، وهذا ليس عادلاً أيضاً". تضيف: "استطاع بعض المدرسين الانتقال إلى مدارس أخرى. لكن بعد اكتشافهم الوضع الكارثيّ، عادوا إلى المدارس التي كانوا يعملون فيها".

ترى سكينة أن الأمر لا يستحقّ التضحية. "لكنّني ربّة منزل، وأخشى المغامرة وترك الوظيفة فلا أجد بديلاً". ورغم الصعاب، تشعر بالفخر حين تلتقي بتلاميذ درّستهم وقد تخرجوا من الجامعات. "هذا ما يجعلني أؤمن بجدوى العطاء على المدى الطويل".

أما لمياء، وهي مدرّسة لغة فرنسية، ومتزوّجة ولديها طفل، تسافر أسبوعيّاً إلى مدينة فاس لتراه وترعاه. بسبب عملها، اضطرّت إلى الابتعاد عنه. تقول لـ "العربي الجديد": "أعمل في المدرسة منذ أربع سنوات، بعدما أنهيت عملي في القطاع الخاص. يبقى القطاع الحكومي أضمن للمعيشة، وفضّلت العمل على حساب البقاء مع أسرتي للحصول على امتيازات وظيفية". تضيف أن عمل زوجها غير مضمون. وفي عملها الجديد، اكتسبت خبرة في التعامل مع البيئة القروية. لكن الظروف تبقى صعبة، إذ لا توجد مياه والكهرباء تنقطع كثيراً، و"الأهالي يتعاملون معنا كأنّنا غرباء".

وفي المدارس، ليست هناك تسهيلات تساعد المدرسين على العمل، بحسب لمياء. تضيف أن "التلاميذ لا يتفاعلون كثيراً، ما يزيد تعبنا. وإن أردنا القيام بأنشطة ترفيهية، يرفض المدير مدّنا بالمال، وهذا أمر محبط".

دلالات

المساهمون