"العفّيشة" ينشطون في داريا

"العفّيشة" ينشطون في داريا

10 أكتوبر 2016
خلال خروجه من داريا (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
ما زال أبناء داريا يذكرون يوم 27 من أغسطس/ آب الماضي، حين نزحت الدفعة الأخيرة من أهالي المدينة، بعد حصار دام أربع سنوات، ومقتل المئات من أبنائها. وها هي اليوم خالية إلّا من "العفّيشة" (مقاتلي النظام)، الذين يسلبون كلّ ما تبقى فيها.

ويقول عضو المجلس المحلي في مدينة داريا، حسام عياش، لـ "العربي الجديد"، إنه "في 26 أغسطس/ آب الماضي، بدأ تطبيق الاتفاق مع النظام، والذي ينصّ على تفريغ المدينة من أهلها. غادرت عائلات برفقة بعض الرجال المسنين إلى منطقة حرجلة في ريف دمشق، حيث يعمل النظام على تسوية أوضاعهم".

يضيف عياش: "في اليوم الثاني، بدأ التجمّع عند الساعة الثامنة صباحاً. كنّا آخر من تبقى في المدينة. صعدنا إلى الباصات ما بين الساعة الثانية والرابعة ظهراً، لتنطلق عند الساعة الخامسة عصراً. كانت المرة الأولى التي نخرج فيها منذ نحو خمس سنوات. كانت قوات النظام مستنفرة وحاضرة بقوة. حدث كل هذا بحضور الهلال الأحمر وغياب الأمم المتحدة، في حين كانت ترافقنا سيارات قوات النظام المزودة برشاشات ثقيلة وأخرى تقلّ ضباطاً ومقاتلين، بالإضافة إلى الطائرات المروحية. وصلنا إلى قلعة المضيق في الثامنة صباحاً من اليوم التالي".

يتابع عياش: "لم يحدث أيّ اعتداء أو صدام مع مقاتلي النظام". مع ذلك، يذكر أن الخارجين من داريا كانوا يرفعون بنادقهم وإشارات النصر، ويحملون علم الثورة الأخضر. ويشرح: "لم تكن المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات النظام من داريا إلى المتحلق الجنوبي كما كنا نتوقع. فوجئنا بالتحصينات الكبيرة بين مدينتنا وبين مطار المزة العسكري، والذي يبعد نحو ثلاثة كيلومترات. كان هناك سواتر ترابية وخنادق، وقد جرف محيط المدينة بالكامل من المباني السكنية والأشجار".


عيّاش الذي يعتبر نفسه متفائلاً أكثر من زملائه، يتحدّث عن تجربته في داريا. يقول: "أعتقد أنّنا مررنا باختبار لا أستطيع الحكم عليه إذا ما كان ناجحاً أم فاشلاً. الله والناس الذين كانوا يرون عملنا هم أقدر على الحكم. لست حزيناً بشأن الفترة الماضية. المهم أن يقدّم كل شخص ما هو قادر عليه، ويستمر في العمل لتجاوز الاختبارات الأخرى". ويشرح أنه لحظة الخروج، كانت هناك مشاعر مختلطة بين الرغبة في العيش وألم فراق المدينة. يضيف أنّه بات هناك فرصة للعيش مجدّداً بعدما كنّا قد سلّمنا بأن الموت هو مصيرنا المحتوم. "كان تفكيرنا محصوراً في أسئلة محدّدة. متى نموت؟ وكيف؟ وهل نتعذب؟ هل يعثر أحد علينا ويدفننا؟ لكن أثناء خروجنا، بات لدينا فرصة أكبر للحياة. وتغيرت أسئلتنا. ماذا نفعل؟ هل يمكن اكمال الطريق الذي بدأناه"؟

وحول وضع أبناء داريا اليوم، يوضح عضو المجلس المحلي للمدينة أن الغالبية الساحقة من المقاتلين ما زالوا يشعرون بالالتزام حيال بعضهم بعض من دون فكرة الانتماء إلى فصائل، وكأنّهم يعيشون في ما يشبه المعسكر. لكن لم يتضح حتى الآن ماذا قد يحصل في المستقبل. وهذا أيضاً حال الناشطين المدنيّين الذين كانوا تحت مظلة المجلس المحلي ينتقلون من منزل إلى آخر. ويرى أنه ليس هناك مستقبل لاستمرار المجلس المحلي. لذلك، نبحث عن بدائل قد تلبي الاحتياجات في المرحلة المقبلة، خصوصاً متابعة الأهالي المتواجدين في الشمال.

إلى ذلك، يقول مصدر رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إن وضع الأهالي الذين نقلوا إلى حرجلة من داريا يعدُّ مقبولاً، لافتاً إلى أن الهلال الأحمر العربي السوري يتولى بشكل أساسي تأمين احتياجاتهم، بالإضافة إلى منظمات أخرى. ويشمل الأمر المواد الغذائية والطبية بالإضافة إلى تعليم الأطفال. إلّا أن الخدمات تعد بسيطة، في وقت يجهل الأهالي ما ينتظرهم غداً، وإن كانت أحلامهم محصورة بالعودة إلى مدينتهم وممارسة حياتهم الطبيعية.