المسنّون في اليمن السعيد جداً

المسنّون في اليمن السعيد جداً

23 أكتوبر 2016
يمضون أيامهم مهانين مذلولين سلماً وحرباً (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

"تستطيع أن تمضغ القات طوال اليوم لكنه لن يملأ معدتك". (صحافي أجنبي)

يعيش العراق وسورية حروباً مفتوحة منذ سنوات وعقود. هي حروب محلية بقدر ما هي إقليمية ودولية. من جهته، يتماوج لبنان بين الحرب والسلم. وقد وصف حاله الباحث الأكاديمي وضاح شرارة يوماً بأنّه سلم أهلي بارد، وما زال الوصف صحيحاً. أمّا الفلسطينيون فيدفعون ثمن المشروع الاستيطاني الصهيوني على أرض بلادهم منذ قرابة سبعين عاماً. وأخيراً، دخل اليمن الحرب من بابها الواسع بعدما ظنّ كثيرون أنّه نفذ من شباكها. هي حرب نظامية وشبه نظامية تدور رحاها على شعاب الجبال وحول المدن والقرى وفي داخلها.

تتقارب أوضاع كبار السنّ في اليمن من أوضاع سواهم في الدول التي تغرق في وحول حروبها وحروب غيرها. نسبة المسنّين في اليمن أعلى من نسبتهم في العراق، لكنّها أقلّ ممّا هي عليه في لبنان وسورية وتونس وغيرها. تزيد النسبة قليلاً عن أربعة في المائة، لكنّ اليمن لم ينعم بثروات كتلك التي تعرفها منطقة الخليج وبلاد الرافدين، ولم يملك يوماً سهولاً زراعية خصبة ولا ثروات معدنية. كذلك لم يعرف أطر دولة واحدة متماسكة. فهو تقلب بين حدَّي سلطات الدولة وسلطان القبائل والجماعات. ويغلف هذا وذاك مزيد من الفقر من جرّاء نقص المواد والموارد وتزايد الكثافة السكانية. وتبدو اليوم الصورة شبه سوداء بالكامل. بلاد ممزقة ومنذورة لمزيد من الحرائق، التي من المرجح أن تدكّ ما تبقى من مراكز صحية واجتماعية متوفرة على ندرتها. مؤسسات مماثلة كثيرة تعرّضت للتدمير أو فقدت القدرة على التشغيل. المدن المحاصرة والقصف اليومي وندرة المساعدات كلها عوامل تعيق استمرار العمل في المرافق المشابهة. ولا يستطيع الجرحى والمصابون والمرضى الاقتيات بالقات الذي يملأ أفواههم لكنّه لا يشبع أمعاءهم. أمّا المساعدات الدولية والعربية فلا تجد الطرق المأمونة للوصول إلى معظم السكان، فضلاً عن استحالة مبدأ إمكانية شعب من الشعوب أن يعيش على المساعدات أصلاً.

كبار السنّ أكثر من الأطفال في عدم الحصول على ما يقيم أودهم. ونضيف إلى قائمة الأمراض المعروفة بهذه الفئة هنا، فقر الدم والاجتفاف والأمراض المعوية والمعدية بفعل تعذّر الحصول على وجبات يومية وكذلك الوصول إلى طبيب أو مستشفى للعلاج والمتابعة. أمّا مياه شرب النظيفة والطاقة الكهربائية فتحصل عليهما بعض المدن وتُفقدان في الأرياف، فيما يتعذر تأمين وصول المساعدات الغذائية إلى مستحقيها. يُذكر أنّ سكّان تعز لا يختلفون حالاً عن سكان المدن والبلدات المحاصرة في سورية والعراق.

آباؤنا وأمهاتنا العرب والعربيات، نعم يمضون أيامهم مهانين مذلولين سلماً وحرباً. الفارق فقط يكمن في درجة الإذلال بين الحالين، مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الاجتماعية.

*أستاذ جامعي