الدنمارك تتخلّف حقوقياً

الدنمارك تتخلّف حقوقياً

31 يناير 2016
تطلب الشرطة منحها سلطات رقابية أكثر (Getty)
+ الخط -
ليست مشكلة الدنمارك فقط مع المهاجرين وطالبي اللجوء، أو مع التهديدات المفترضة للإسلام على هوية البلاد، في ما يروّجه اليمين المتطرف منذ سنوات. لهذه المملكة الأوروبية الشمالية مشاكلها الخاصة أيضاً، تلك التي تتعلق بمواطنيها وقوانينها وحقوقها. إحدى هذه المشاكل تتعلق بالحريات الشخصية، التي تتمتع بها البلاد وتشكل إحدى علاماتها المميزة. وهذه الحريات هي اليوم محلّ تهديد جدّي من جانب الحكومة، التي يقودها يمين الوسط، والتي تتجه إلى فرض ما يشبه الرقابة على المواطنين، مع ما في ذلك من تنصت هاتفي وإلكتروني عليهم.

في عام 2014، تحت ضغط حقوقي ونقاش تحول إلى قضية رأي عام، ألغي العمل بقانون يسمح للاستخبارات والشرطة الدنماركية بالتجسس على المواطنين، بحجة "متابعة التحريات"، وذلك بعدما اتضح أنّ عمليات التنصت والمراقبة كانت أشمل وأوسع مما طالبت به الأجهزة الأمنية، بحسب مدير شركات الاتصالات في البلاد ياكوب فيللر.

بعد عامين من إلغاء القانون، يعاود وزير العدل، سورن بيند، طرحه مجدداً. ويحمل مقترحه تسجيل عادات المستهلك على الإنترنت والهواتف. المقترح يحظى بتأييد اليمين المتشدد وأحزاب محافظة وليبرالية يمينية. لكنّه يعني وقوع معظم مستخدمي وسائل الاتصال تحت رقابة مركزية لدى جهازي الشرطة الوطنية والاستخبارات في البلاد. وبحسب فيللر فإنّ ما يقترحه قانون الرقابة الجديد أكثر شمولية: "ستكون صدمة عنيفة إذا أقرّت الرقابة الشاملة على المواطنين، كي تشمل كل حركة يأتي عليها المستخدم على الإنترنت".

وبعكس ما كان معمولاً به قبل وقف إلغاء القانون عام 2014، عندما كانت تؤخذ عينات للمراقبة، فإنّ المطروح حالياً "رقابة مركزية" لكلّ دخول على الإنترنت.

التوجه الجديد يمثل رغبة مشتركة لدى سياسيي اليمين وجهاز الشرطة الوطني، الذي عبّر في شهر مايو/ أيار الماضي عن رغبته في فرض هذا النوع من الرقابة. تتذرع الشرطة التي يقع تحت مسؤوليتها جهاز الاستخبارات، أنّه كان للرقابة أن تساعد أكثر في التحريات، التي جرت عقب هجوم كوبنهاغن في 14 فبراير/ شباط 2015، لو كانت قد حصلت قبلها. وتطلب الشرطة منحها سلطات رقابية أكثر بحجة الكشف عن الجرائم قبل وقوعها، علماً بأنّ بإمكانها الوصول اليوم إلى قاعدة معلومات الاتصالات الهاتفية فقط، وترغب في أن تكون لديها إمكانية مراقبة تواصل المواطنين عبر الشبكة من خلال "ماسنجر" و"سكايب" و"آي ماسج"، وإمكانية العودة إلى أرشيف التواصل بين المتصلين عبر الطرق الآمنة.

يعلّق بيند - وهو ليبرالي في المبدأ - على المقترح الحكومي: "نحن في زمن آخر الآن، لذلك علينا تحديث قوانينا من خلال الحوار مع شركات الاتصالات". ووفقاً لما رشح عن الاجتماع مع شركات الاتصالات، فإنّ "الرقابة الشاملة" ستكون مكلفة جداً على الصعيد المالي.

بدورها، تعارض أحزاب اليسار ويسار الوسط مثل هذه الرقابة، حتى أنّ حزب تحالف الليبراليين، الداعم لسياسات الحكومة، وجد نفسه في حرج شديد حيال تذمر المواطنين من خرق حرياتهم الشخصية. يقول التحالف على لسان عضو البرلمان ومقرر شؤون الاتصالات كريستيان إيغلوند: "نعيش في ظل ديموقراطية ليبرالية، ويجب أن تبقى أسس هذه الحياة محترمة ومصانة، خصوصاً في ما يتعلق بالحريات الشخصية وخصوصيات المواطنين وعيشهم بسلام. إنّ المطروح هو مراقبة شاملة لهؤلاء الناس وليس لفئة جنائية مشبوهة، وهذا ما لا يمكن أن نقبل به في بلادنا".

من جهته، يقول الخبير القانوني ومدير مؤسسة "جوستسيا" الحقوقية، ياكوب مكنغاما، إنّ المقترح "انتهاك صريح للخصوصية". ويتابع: "التدخل الأمني الرقابي يعني بكل بساطة انتهاء حماية البيانات. وهو ما لا يتفق أبداً مع احترام حقوق الإنسان".

تبريرات حكومية
التبريرات التي تقدّمها الحكومة الدنماركية لإقناع الرأي العام والأحزاب الداعمة تتمثل في أنّ "مرتكبي الأعمال الجنائية يستخدمون اليوم وسائل التواصل الإلكترونية أكثر من الهواتف". وهو ما يعني صعوبة في متابعة وتحري ما يرتكبونه إذا لم تجر مراقبة "سكايب" وغيره من تلك الوسائل. تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات تراقب بالفعل حسابات مستخدمي "فيسبوك"، وتقدّم شكاوى بحق بعضهم.

اقرأ أيضاً: الاكتئاب طريق الدنماركيين إلى الانتحار