وقود الجزائر لا يؤمن بالحدود

وقود الجزائر لا يؤمن بالحدود

17 يناير 2016
يستخدم المهرّبون العديد من الطرق والأساليب (فرانس برس)
+ الخط -

قبل إغلاق الجزائر حدودها مع المغرب عام 1994، كان كلّ طرف يصدّر للطرف الآخر السلعة المفقودة لديه. وعرفت المدن الحدودية في البلدين، حركة اقتصادية مزدهرة، مثل وجدة المغربية ومغنية الجزائرية، حتى أنهما تحولتا إلى مركزين تجاريين يستقطبان تجار المدن الكبرى في البلدين.

اليوم صارتا مدينتين هامشيتين، حيث أغلقت معظم الفنادق والمراكز التجارية فيهما أبوابها، لتفتح أبواب التهريب، بكلّ ما ينتج عن ذلك من مظاهر وظواهر، منها ما يتعلق بتهريب الوقود الجزائري إلى الأراضي المغربية.
يكفي أن تصل إلى مدينة تلمسان في الغرب الجزائري، أو إلى أيّ ضاحية من ضواحيها، بعد الساعة الثالثة عصراً، لتواجهك أولى ثمار تهريب الوقود، وهي ندرته في المحطات الحكومية والخاصة التي تبيعه. فالمهربون يكونون قد ملأوا خزانات سياراتهم ومعها براميل معدة للغرض، واتجهوا بها إلى مستودعات خاصة، في القرى والمدن اللصيقة بالحدود، لإفراغها وتكرار العملية أكثر من مرة في اليوم الواحد، قبل الشروع ليلاً أو فجراً، في توجيهها إلى الضفة المغربية.

الشاب أمين س. (32 عاماً) عمل في التهريب عشر سنوات، قبل أن يترك الأمر، ويتفرغ لإدارة فندقه، يقول إنّ المهرّبين معروفون محلياً باسم الحلّابة "لأنهم يستحلبون محطات الوقود، حتى يفرغوها".
وعمّا إذا كان فندقه ثمرة للأموال التي جمعها من التهريب، يقول: "لماذا تنظرون إلى الأموال التي تجنى من تهريب الوقود، على أنها أموال مشبوهة، مثل تلك التي تجنى من بيع المخدرات؟ كنت أشتري الوقود من محطات مرخص لها من طرف الحكومة، وبأموال نظيفة، لأوصله إلى أشقائي وراء الحدود بعد إغلاقها.. أين المشكلة في ذلك؟".
لا يكتفي بالإجابة هذه، بل يكشف لـ"العربي الجديد" عن المنازل والفنادق والمحلات التجارية التي كانت ثمرة لاشتغال أصحابها في هذه المهنة، مشترطاً عدم ذكر الأسماء أو ما يدل مباشرة عليها.

وبالفعل، فإنّ ما يوجد في مدن مغنية والغزوات وندرومة ومرسى بن مهيدي من هذه المباني والمشاريع يثير الدهشة. يكشف أمين وجود مهربين منفّذين، أي مجرد أدوات يتقاضون أجوراً، وآخرين يشرفون على العملية، لا يظهرون في الواجهة عادة، ويُعرفون لدى الرأي العام بأسماء مستعارة، مثل "الحاج" و"الوحش" و"المقاتل" و"وجه الخير"، وهم أصحاب هذه المشاريع والمنازل والسيارات الفخمة. كما يذكر مهناً ثانوية تنشأ عن التهريب، منها تأجير البيوت لإخفاء الوقود، وتجارة البراميل البلاستيكية، وتأجير السيارات، والميكانيك، خصوصاً في ما يتعلق بتعديل خزانات وقود السيارات حتى تستوعب كميات أكبر، وخدمات مراقبة الطريق.

من جهته، يقول عبد المجيد ب. (23 عاماً) إنه التحق بخدمة مراقبة الطريق منذ ثلاث سنوات، ويتمثل دوره في أن يكمن في مكان معين، أو يتجول بالسيارة ذهاباً وإياباً، ليرصد تحركات رجال الأمن، ويخبر بها المهربين الذين يعمل معهم. يتابع: "أنا مرتاح في هذه المهنة، لا أبذل جهداً كبيراً، وأكسب يومياً ما لا يقلّ عن 30 دولاراً، وهو مبلغ كاف كي أتكفل بعائلتي". يكشف عبد المجيد أنه ليس الوحيد في الطريق الذي تسلكه سيارة التهريب، من محطة الوقود إلى نقطة الإفراغ، والتي تتلقى إشارات المرور منه ومن زملاء آخرين له، يكمنون في نقاط مدروسة من الطريق.

وعن مهمة السيارات يقول: "إنها مغامرة فعلية، قد تودي بحياة صاحبها، لذلك فإن أهم عنصر في عملية التهريب هو سائق هذا النوع من السيارات، إنه ليس مسلحاً بعكس رجال الأمن، وإن نجا منهم فهو مهدد بانقلاب سيارته نتيجة السرعة الجنونية. والأكثر من ذلك كله، ألّا يكشف عن خيوط الشبكة في حال القبض عليه".

في مدينة الغزوات الساحلية، إحدى أهم النقاط المحتضنة لعمليات تهريب الوقود في المنطقة الغربية، تقف سيارتان للدرك الوطني، بالقرب من مستودع فُتح بابه الرئيسي. يتضح في ما بعد، أنه إحدى النقاط المستعملة لتجميع الوقود، قبل تهريبه إلى المغرب، وقد قدّرت الكمية بـ 2327 لتراً. يقول رئيس الدورية لـ"العربي الجديد": إنّ الإجراءات التي ستتخذ بحق صاحب المستودع هي مصادرة الكميات المحتجزة، وإحالته والعاملين معه إلى العدالة.

يؤكد رجل الأمن أنّ "الكميات المهربة سنويًا تقدّر بـ800 مليون لتر، بقيمة مالية تقترب من 600 مليون يورو". ويكشف عن بعض الطرق الطريفة المستعملة في التهريب، منها الاستعانة بالحمير، عبر مسالك وعرة، يصعب الوصول إليها. وذلك عن طريق تعويد الحمار على الأكل في نقطتي الوصول والانطلاق، فينطلق إلى النقطة المقصودة، مباشرة بعد تجويعه أياماً.

اقرأ أيضاً: سرقة المواشي تؤرّق الجزائر

دلالات