اعتداءات جنسيّة تنتهك طفولة 280 باكستانياً

اعتداءات جنسيّة تنتهك طفولة 280 باكستانياً

13 اغسطس 2015
ارفع صوتك.. قل لا للاستغلال الأطفال جنسياً (فرانس برس)
+ الخط -


في معلومات خاصة لـ "العربي الجديد"، تبيّن أن ثلاثة من بين 12 متهماً اعتقلوا أخيراً في قضية الاعتداءات الجنسيّة على الأطفال الباكستانيين، هم موظفون في المحاكم، ومن بينهم أحد كبار التحرّيين. كذلك فإن أربعة آخرين موظفون حكوميّون.

تسود اليوم حالة من الغضب والاستياء الساحة الباكستانية، في حين تعلو الانتقادات الموجّهة إلى الحكومتين المركزية والإقليمية في إقليم البنجاب وإلى أجهزتهما الأمنية، وذلك على خلفيّة فضيحة الاعتداءات الجنسية التي طالت 280 طفلاً من قبل 30 شخصاً يتمتّعون بنفوذ كبير في أجهزة الأمن والدولة. وقد أكّدت الأمر شهادات أهالي قرية حسين خان والا (وسط إقليم البنجاب) وذوي الضحايا وناشطين في المجتمع وحقوقيين. ولم يكتفِ الجناة بالاعتداء على الأطفال الذين ترواحت أعمار أكثرهم ما بين 11 عاماً و14 عاماً، فعمدوا إلى تصويرهم في خلال اعتدائهم عليهم، بهدف ابتزاز ذويهم والحصول على مبالغ ماليّة منهم.

وكانت القضيّة قد بدأت في عام 2009 قبل أن تُفضح قبل أيام بعدما أنهكت بعض الأسر من دفع الأموال إلى الجناة وبعدما بُثّت تسجيلات لأطفال رفض ذووهم دفع الأموال، بحسب ما يشير ناشطون وحقوقيون. لكن آخرين يرون أن القضية كُشفت بعد صراع على عقار، بين أسرتين سياسيتين في المنطقة.

وقد أحدثت القضية ضجة في الأوساط الباكستانية بعدما تناولتها وسائل الإعلام إلى جانب ناشطين في المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية. كذلك وجدها معارضو الحكومة فرصة لانتقادها، واتهموها بالوقوف وراء الجناة وتسويف القضية. في المقابل، وعدت الحكومة - على مستويات رفيعة - بملاحقة الجناة وإجراء تحقيق قضائي نزيه وشفاف لمعرفة ملابسات الأحداث المشينة. أما أهالي الضحايا، فما زالوا يصرّون على أن الأمن الباكستاني يتقاعس في هذه القضية، ولا يتوقعون من الحكومة معاقبة الجناة، لا سيّما وأنهم أصحاب نفوذ في الدوائر الحكومية. وقد علمت "العربي الجديد" بأن ثلاثة من الجناة هم من الموظفين في المحاكم الباكستانية، وأربعة آخرين هم موظفون في أجهزة الدولة، بالإضافة إلى انتمائهم السياسي إلى الحزب الحاكم.

اقرأ أيضاً: الجرائم الجنسيّة إلى تزايد في أفغانستان

هكذا بدأت المأساة

يروي أهالي الضحايا وسكان قرية حسين خان والا حيث وقعت الأحداث الأليمة، أن أشخاصاً يرتبط بعضهم بصلات وثيقة مع الحكومة الإقليمية، يعتدون جنسياً منذ عام 2009 على أطفال (فتية وفتيات) القرية وبعض القرى المجاورة، فيما يسجّلون أفعالهم تلك لابتزاز العائلات تحت طائلة نشر الصور وبثّ تسجيلات الفيديو. وبالفعل، حصلت العصابة على ملايين الروبية الباكستانيّة من ذوي الضحايا، في حين راحت تبثّ التسجيلات في القرية لكل من رفض الخضوع لشروطها. تجدر الإشارة إلى أن كل تسجيل يباع لقاء 40 روبية باكستانية (0.40 دولاراً أميركياً).

يوضح علي محمد وهو أحد كبار القرية لـ "العربي الجديد" أن "ذوي الضحايا كانوا مرغمين على دفع الأموال حفاظاً على أعراضهم. وكان الأطفال من جهتهم، يسرقون الذهب ومقتنيات مختلفة من منازلهم طيلة الفترة الماضية، لتسديد الأموال المطلوبة". وبحسب المعطيات، أكثر من 30 شخصاً متورطون في القضية أو ساعدوا الجناة، وقد اعتقل 12 منهم.

بحسب ما وثّقت تسجيلات الفيديو، لم يتكفِ الجناة بالاعتداء على الضحايا، بل أرغموا بعضهم على الاعتداء جنسياً على آخرين منهم. وتشير هنا شبنم رضا التي تعرّض ابن أخيها مهران (13 عاماً) للاعتداء، إلى أن "هؤلاء أجبروا بعض الأطفال على ممارسة الفعل الشنيع، ومنهم مهران". تضيف أن هؤلاء "حطموا حياة الطفل والأسرة بأكملها. والده لم يعد يخرج من منزله من شدّة الصدمة التي أصابته، ولأنه يرى نفسه عاجزاً عن مواجهة أبناء القرية".

وفي حين يُطرح السؤال حول سبب الصمت على مدى ستّة أعوام، تأتي الإجابة بديهيّة: أهالي الضحايا فضّلوا السكوت بسبب الخوف من أسرة الممسكين بالقضيّة والمتسترين على الجناة. إلى ذلك، ومن أبرز أسباب عدم الكشف عن القضيّة طوال هذه الفترة، يُذكر الضغط الذي مارسه مسؤولون في الحكومة وجهاز الأمن على أهالي الضحايا. تجدر الإشارة إلى أن ثمة من قصد مراكز الشرطة قبل عامين أو عام أو أشهر، إلا أنهم لم يجدوا مجيباً، لا بل هُدّدوا بالقتل والإخفاء. وبالفعل، عُثِر على أحد الضحايا جثّة هامدة في أحد الأزقة بعدما تقدّم والده بشكوى.

نوشيبه واحدة من الأمهات اللواتي تعرّض أبناؤهن لتلك الجرائم. تخبر أنها قصدت مركز شرطة غانده سنغ القريب من حسين  خان والا قبل نحو عام، "لكن رجال الشرطة لم يسجلوا الدعوى وأرغموني - بالتواطؤ مع الجناة - على السكوت. وهذا ما حصل مع كثيرين حاولوا التخلص من الابتزاز المالي واللجوء إلى القانون".

وأخيراً، ساعد صراع ما بين أسرتَين نافذتَين في المنطقة على خلفيّة نزاع على قطعة أرض، أهالي الضحايا على رفع أصواتهم  في وجه الجناة. يقول أحد شيوخ القرية فضّل عدم الكشف عن هويته لـ "العربي الجديد"، إن "أسرة ذات نفوذ كبير في المنطقة، أرادت الحصول على عقار، لكن قطعة الأرض تلك كانت بيد الأسرة التي يحتمي الجناة تحت جناحها. وبعدما رفضت الأخيرة التخلي عنها، نشب نزاع بين الأسرتين". يضيف الشيخ أن "الأسرة الأولى حاولت استخدام القضية ضد الثانية التي كانت تستفيد من الأموال التي جمعت من أهالي الضحايا. وساعدت ذوي الضحايا على رفع أصواتهم". وقد نظم مئات القرويين تظاهرات أمام مركز الأمن الوحيد في المنطقة، وأجبروا المسؤولين على تسجيل الدعوى ضد المتورطين في القضية".

اقرأ أيضاً: الحمض يشوّه نساء باكستان

موقف الحكومة

يوجّه أهالي القرية وذوو الضحايا والمؤسسات الحقوقية الاتهام إلى الحكومة وأجهزة الدولة بالتباطؤ والتقاعس في معالجة القضية، وكذلك بطمس القضية طيلة الأعوام الماضية نتيجة ضغوط مارسها نافذون. لكن وبعد رفع القضية، سارعت الحكومة الباكستانية إلى التحقيق فيها. وقد أعلن رئيس وزراء حكومة البنجاب الإقليمية شهباز شريف - شقيق رئيس الوزراء نواز شريف - عن تحقيق قضائي للكشف عن ملابسات القضية. ووعد بعدم السماح للجناة من الإفلات من قبضة القانون.

والإعلان عن التحقيق القضائي، لم يرَ فيه محامو الضحايا وأهاليهم إلا محاولة لتهميش القضية من جديد. وقد أعادوا الأمر إلى أن قضايا كثيرة أعلنت الحكومة عن التحقيق فيها قضائياً، سقطت بمرور الزمن. لذا تطالب أسر الضحايا اليوم وكذلك المحامون، الحكومة والمؤسسة القضائية بنقل القضية إلى المحاكم العسكرية والتعامل معها كقضية إرهابية. لكن مطلبهم هذا ووجه بالرفض.

من جهتها، أكّدت الحكومة الفدرالية على لسان عدد من المسؤولين، أنها لن توفّر جهداً لمعاقبة الجناة وكشف الحقائق الكامنة وراء القضية، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها القضاء على جذور الظاهرة. ودعا وزير الإعلام برويز إلى "عدم التشكيك في عزم الحكومة على معاقبة الجناة ومن دعمهم، كائناً من كان". لكن المؤشرات على أرض الواقع لا تؤكّد ذلك، إذ كانت التجارب السابقة قد بيّنت أن التحقيقات القضائية ذهبت أدراج الرياح. بالتالي، هذه ليست سوى محاولة لتهدئة الوضع.

دور المعارضة

من جهتها، كان للمعارضة الباكستانية وعلى رأسها حزب حركة الإنصاف وحليفته الجماعة الإسلامية، دور هام في القضية. أثارت المعارضة القضية في البرلمان الفدرالي وكذلك في برلمان إقليم البنجاب، في حين زار عدد من السياسيين الأسر المتضررة. ومن بين هؤلاء ريحام خان وهي زوجة زعيم حركة الإنصاف عمران خان، التي أكدت الإثنين الماضي أن "الحكومة تتباطأ في معالجة القضية، غير أن أحزاب المعارضة لن تقبل بتسويف هذه القضية".

في المقابل، لفت ناشطون في المجتمع المدني وحقوقيون إلى أن للمعارضة أغراضاً سياسية، وإلا لكانت اهتمت بالقضية قبل أن تثيرها وسائل الإعلام وتخرج إلى العلن. ويشدّدون على أن القضية كانت معروفة، وقد لمّح إليها عدد من قيادات المعارضة في أوقات سابقة. بالنسبة إلى الناشط الاجتماعي عبد الرشيد، "القضية مسيّسة وذوو الضحايا لن يجنوا منها شيئاً. الجناة سوف يخرجون بسندات كفالة عاجلاً أم آجلاً. وبعدما تعمل اللجنة القضائية أياماً لتقصّي الحقائق، لن يكون مصيرها أفضل من مصير ملفات كثيرة أخرى". هذا أيضاً ما يتوقعه أهالي الضحايا، لكنهم يشعرون ببعض الارتياح بعدما تخلصوا من دفع الأموال للجناة. يقول رضوان وهو عمّ أحد الضحايا: "نحن لن نتوقع الكثير لا من الحكومة ولا من المعارضة ولا حتى من ناشطي  المجتمع المدني. لكننا تخلصنا من دفع الأموال للعصابة المجرمة، وهذا يريحنا. أما الفضيحة، فهي ما زالت ماثلة أمامنا. التسجيلات التي تصوّر أبناءنا تنتشر على نطاق واسع". وتطالب إحدى الأمهات من الحكومة الباكستانية بالعمل على التخلص من تلك التسجيلات، بأي وسيلة".

من جهتها، تؤكد رئيسة مؤسسة الحفاظ على الأطفال في إقليم البنجاب صبا صادق، على أن "القضية أكبر فضيحة في تاريخ باكستان، وعلى الحكومة العمل لصالح الأبرياء من دون مراعاة المصالح السياسية".

اقرأ أيضاً: مدرّسون مسلّحون.. تدريب لحماية المدارس في باكستان