قيود الاحتلال لا تمنع "الشيخ" من دخول القدس

قيود الاحتلال لا تمنع "الشيخ" من دخول القدس

30 يونيو 2015
الشيخ في مطعم "أبو حسن" (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يتوقف الرجل عن توزيع ابتساماته وممازحة الزبائن في مطعم "أبو حسن" لبيع الفلافل والحمّص في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة. يلقبه العامة بـ"الشيخ"، ولا تعنيهم تفاصيله الشخصية من اسم ومكان إقامة بقدر ما يعنيهم وجوده بينهم، وما يشيعه في نفوسهم من أمل، وما يزرعه في القلوب من محبة وتواضع.

صدقي حميدة (45 عاما) ينحدر من قرية القبيبة الفلسطينية، وهي واحدة من قرى شمالي غرب القدس، حيث يقطن في الحد الشمالي الغربي من القدس أكثر من 100 ألف نسمة يتوزعون على نحو خمس عشرة قرية.

يتسلل إلى القدس عبر الحواجز والمعابر، ومرات كثيرة كان يعتقل، ثم يطلق سراحه بعد تبصيمه على تعهد بعدم دخول القدس إلا بتصريح، ولا يطلقون سراحه إلا بعد أن يسقوه كأسا من الإذلال والإهانات والسخرية من قامته الصغيرة إمعانًا في الإهانة، كما يروي لـ"العربي الجديد".

رغم ذلك، يصر على القدوم إلى القدس ليلتحق بعمله الذي يعتاش منه هو وأطفاله وزوجته، متجشماً عناء الدخول إلى القدس، مع أنه حصل على تصريح وبات بإمكانه أن يدخل القدس آمنًا مطمئنا لا يخشى ذل الاعتقال ومرارة المعاناة وهو بين أيدي جنود يصفهم بالجبناء، ثم يتحدى أن يواجهه أحدهم بقبضة يده ومن دون سلاح، أو كما يقول "رجل مقابل رجل".

يدرك "الشيخ" ألا أحد سيجيبه على تحديه من جنود الاحتلال، مع ذلك ينتصب وسط شارع صلاح الدين بقامته القصيرة، لكنها عالية حينما يفرض حضوره بقوة على هؤلاء الغرباء عند ارتيادهم المطعم، وحين يتجاهل حضورهم وقد تحلقوا حول مقلى الفلافل، وهو سيده والحاكم بأمره.


الوصول إلى القدس من القبيبة شائك وصعب وفيه كثير من المعاناة والمشقة، رغم أنها لا تبعد عن القدس سوى مسافة قصيرة لا تتعدى العشرة كيلومترات، موضحًا "نمر في جبال ومناطق وعرة بين الأشواك التي تؤذينا، ومن يتم الإمساك به يا ويله، وأشار إلى خدوش دائمة في ذراعه وساقه الأيمن، بينما كان يحاول القفز عن جدار".

في حين، أدى إغلاق طرق رئيسية في المنطقة لمصلحة المستوطنات اليهودية هناك، خاصة "جفعون" و"جفعون حداشاه" المقامة على أراضي الفلسطينيين إلى زيادة المشقة عليه وعلى مواطني تلك القرى جميعاً.

مطعم أبو حسن في شارع صلاح الدين بيته الآمن الثاني، بل ربما يكون الأكثر أمنًا، ففيه يمضي جل وقته خاصة في شهر رمضان المبارك، وفي الجمعتين الأولى والثانية من الشهر الفضيل، ويستغل وجوده للذهاب إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه، بينما يحسده كثيرون من أبناء قريته والقرى المجاورة على وجوده في القدس بعد أن تمكن رب العمل من استصدار تصريح عمل له في المطعم.

"الشيخ" حكاية فلسطينية تختصر آلام ومعاناة كثيرين من أبناء قريته، بل من أبناء وطنه المحاصرين بالجوع والفقر والمعاناة ولقمة العيش، التي هي بالنسبة إليهم مغمّسة بالألم.

رصيد "الشيخ" هو ما يحظى به من شعبية جارفة في القدس، حيث بات معلما من معالمها يطرب لمناداته بـ"الشيخ" رغم أنه لا صلة له بالمشايخ، لكنه يؤدي الفروض جميعًا ولا يؤذي الناس، وحسبه كما قال رضا الله ورضا الوالدين ومحبة الناس.


اقرأ أيضا:400 ألف مصل بالأقصى في جمعة رمضان الثانية

دلالات