"الركشة" تنافس "الكارو" في السودان

"الركشة" تنافس "الكارو" في السودان

05 مايو 2015
الكارو السودانية عنصر أساسي في حياة المجتمع (فرانس برس)
+ الخط -
قد ينظر البعض إلى الحمار عادة باحتقار، وعادة ما يرمز للغباء والجهل، وإن أراد أحدهم التقليل من شخص ما يطلق عليه لفظ "حمار". لكن الحقيقة أن الحمار في السودان يأخذ أهمية خاصة، ولديه مهام في دورة الحياة اليومية ويلعب دوراً كبيراً، خصوصاً في داخل العاصمة الخرطوم ومناطقها الطرفية، فضلاً عن الريف الذي يعتمد عليه سكانه بشكل أساسي، رغم أن الاعتماد عليه تراجع نسبياً مع تطور الحياة.

الاعتماد الأساسي على الحمار عادة ما يكون في الأسواق الشعبية، وخصوصاً عبر استخدامة لجر عربة "الكارو". و"الكارو" هي عبارة عن عربة خشبية بلا سقف مصنوعة يدوياً بأربع إطارات يجرها حمار. هذه الأداة كانت عنصراً أساسياً في حياة السودانيين، ولا سيما التجار منهم، غير أنه في الفترة الأخيرة دخل عنصر منافس لها في الأسواق هي عربات "الركشة". وهي عربة صغيرة، هندية الصنع، تتسع لثلاثة أشخاص فقط، وتحركها دراجة نارية، ويمكن استعمالها في نقل البضائع، ومن ميّزاتها التنافسية أنها أسرع من الحمار.

لكن مع ذلك، ورغم المنافسة، بقي "الكارو" أحد وسائل المواصلات الرئيسية التي يعتمد عليها السودانيون في نقل احتياجاتهم من السوق، فضلاً عن التنقل من مكان الى آخر، ويعود ذلك ربما بسبب قدرة هذه العربة على الدخول في متاهات الأزقة الداخلية للأحياء في العاصمة السودانية، وهو ما لا تستطيع القيام به غيرها من وسائل النقل.

منافسة قوية

ويقر أصحاب عربات "الكارو" أنهم يواجهون منافسة من هذه العربات الوافدة حديثاً إلى البلاد. ويقول فائز، وهو صاحب "كارو"، لـ"العربي الجديد": "قبل ظهور الركشات، كان هناك إقبال كبير على الكارو. كانت لدنيا مواقف في الأسواق وكنا منظمين بشكل جيد. كان دخلنا 150 جنيهاً ويزيد مع موسم الخريف، لأنها تستخدم كمواصلات، لأن المركبات لا تدخل إلى الأحياء بسبب مياه الأمطار التي تمتلئ بها الشوارع والأزقة الضيقة".

ورغم احتلال الركشة حيّزاً واسعاً من مساحة عمل الكارو في أسواق العاصمة الخرطوم، باعتبارها الأفضل مظهراً والأكثر سرعة رغم ارتفاع ثمن استئجار خدماتها، إلا أن اللافت استمرار "الكارو" وسطوع نجمه في الأحياء الطرفية بالخرطوم والولايات، فهي بمثابة وسيلة مواصلات خاصة في المناطق النائية، والتي ليس بها طرقات معبدة.

اقرأ أيضا:سميرة الغزيّة التي تدرّب على القيادة

وتقول فاطمة، وهي طالبة جامعية تقطن في أحد الأحياء الطرفية بالخرطوم: "يومياً أستقلّ الكارو من منزلنا حتى محطة المواصلات، وأدفع جنيهاً ذهاباً وإياباً، وهذا حال جميع من يسكن معنا في الحي، لأن المركبات لا تصل إلى هناك".

ويستغل "الكارو" في بيع الماء وهو بمثابة استثمار مربح، خاصة في المناطق الطرفية التي تقطع فيها المياه بصورة دائمة. ويلجأ السكان إلى شراء المياه من أصحاب "الكارو" الذين يعمدون إلى حمل المياه على عربة الحمار وبيعها.

ويقول محمد، وهو صاحب عربة كارو، لـ"العربي الجديد": "ابتعت العربة بـ3500 جنيه، بعدما جمعتها بعناء شديد حتى تكون وسيلة كسب لي ولعائلتي الصغيرة".

ويوضح محمد طريقة عمله بالقول: "منذ الصباح الباكر أخرج لملء البرميل بالماء من الصهريج الذي يقع على مسافة بعيدة من الحي، وأبيع المياه لأهل الحي بواقع 2 جنيه للجركانة (غالون)". ويضيف: "والأسرة الواحدة تبتاع مني يومياً 8 جركانات لملء البرميل بواقع 16 جنيهاً". ويردف: "هي تجارة مربحة جداً بالنظر إلى أن كلفة الحمار من القش عشرة جنيهات في اليوم".

ويرى محللون اجتماعيون أن تحجيم دور "الكارو" واتجاهه نحو الانقراض يأتي في إطار التطور الطبيعي للحياة وللمجتمع.

وتقول الباحثة الاجتماعية، آمنة عبدالمطلب، لـ"العربي الجديد": "الكارو في وقت من الأوقات كان عنصراً أساسياً في حياة المجتمع، ولكنه تراجع مع ظهور وسائل المواصلات الحديثة، وأصبح البعض ينظر إليه بازدراء باعتباره يرمز للبدائية، بينما ما زال يشكل أهمية للمناطق التي لم تصلها المدنية". تضيف: "عموماً فالكارو مهدد بالانقراض، لكن ربما تظهر له مهام تتماشى مع الحداثة".

اقرأ أيضا:"حنطور" إسكندرية