المسكّنات لا تُفارق العاملين بـ"مراكز النداء" المغربية

المسكّنات لا تُفارق العاملين بـ"مراكز النداء" المغربية

23 مايو 2015
تعاني بعض النساء من التحرّش عبر الهاتف (فرانس برس)
+ الخط -
"معاناةٌ نفسية واستغلال مادي وآثار صحية سلبية". هذا ما يقوله عدد من العاملين في مراكز الاتصال الهاتفية في المغرب، المعروفة بـ"الكول سنتر". معاناةٌ يضطرّ هؤلاء إلى معايشتها يومياً، عدا عن التحرّش الجنسي الذي تواجهه العاملات عبر الهاتف.

تقول فتيات عاملات في هذه المراكز، التي تملك غالبيتها شركات فرنسية، إن مهنتهن "تخضع لقوانين مجحفة وشروط قاسية". في المقابل، يؤكد أرباب العمل في هذه المراكز أن "الأمور تسيرُ على ما يُرام، لكن كل مهنة لها مشاكلها".

يُطلق المغاربة على هذه المراكز اسم "مراكز النداء"، وتعملُ على "تقديم خدمات للزبائن عن بعد في مجالات عدة". في أحيانٍ كثيرة، يتصرف العاملون فيها على أنهم فرنسيون، بهدف إقناع الزبائن الفرنسيين والأجانب بجودة الخدمات والبضائع.

بدأت شركات النداء العمل في البلاد قبلَ نحو 11عاماً، وانتشرت خلال السنوات الأخيرة بسبب الأرباح الكبيرة التي تحقّقها، ما جعل المغرب أول بلد في أفريقيا والمنطقة العربية في هذا المجال.

وتقول إحصائيات "الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات" إن عدد مراكز النداء يبلغ أكثر من 250 مركزاً في المغرب، علماً أن 80 في المائة من هذه الشركات موجودة في الرباط والدار البيضاء.

في السياق، تكشفُ سلمى فضيلي، التي كانت تعملُ في أحد مراكز النداء في الرباط، لـ"العربي الجديد"، بعض أسرار هذه المهنة. تقول: "خلال عملي، صرتُ أعاني من الأرق والقلق والتوتّر، بسبب طبيعة المهنة التي تستدعي الاتصال بالهاتف لساعات طويلة يومياً". تضيف أنه "في الوقت الذي تسعى مراكز النداء الهاتفية إلى مراكمة الأموال والأرباح، فإن العديد من العاملين فيها يعانون من مشاكل نفسية وصحية"، عازية الأمر إلى عدد ساعات العمل التي قد تصل أحياناً إلى 12 ساعة يومياً.

من جهته، يقول مراد لـ"العربي الجديد" إنه يتناول الأقراص المسكنة بصورة يومية، حتى أنه أدمن عليها، بسبب معاناته من صداع دائم في الرأس نتيجة تعامله المتواصل مع الزبائن عبر الهاتف. أما صلة الوصل بينه وبينهم، فهي سماعة يضعها على أذنيه طيلة اليوم. ويشرح أن بعض العاملين في مجالات الوساطة التجارية في هذه المراكز مطالبون بإجراء أكبر عدد ممكن من المكالمات الهاتفية، وإقناع الزبائن باقتناء البضاعة أو القبول بالخدمة التي يوفرها المركز.

يتابع مراد أن العمل في جوٍّ من الرقابة الدائمة يصعّب من مهام الموظفين، مشيراً إلى أن الاستمرار في هذا المجال ليس مضموناً بسبب الرصد الدائم للهفوات التي قد تُطيح العامل. وفي ظل كثرة الطلب على العمل جراء تفشي البطالة بين الشباب في المغرب، لن يجد أرباب العمل صعوبة في إيجاد أي بديل.

تحرّش
بدورها، تحكي عاملة سابقة في أحد مراكز النداء رفضت الكشف عن اسمها، لـ"العربي الجديد"، عن بعض المضايقات التي تتعرّض لها العاملات في هذا المجال، وخصوصاً التحرش الجنسي عبر الهاتف. توضح: "يتصل الزبون وتجيب العاملة المغربية بلغة فرنسية، ليبدأ في مغازلتها".

تضيف أن "بعض الزبائن يقولون كلمات خارج إطار الأدب، ولا يتجاوبون مع الحديث عن المنتج أو الخدمة المقدمة نهائياً، ما يدفع الفتاة إلى الرد على الزبون بحزم ولباقة في آن، تنفيذاً لتعليمات الشركة".

أما محمد شنوع، الذي عمل في أحد مراكز النداء نحو عشر سنوات، فيوضح لـ "العربي الجديد" أن "أكثر ما يعانيه العاملون في هذه المراكز، هو اضطرارهم إلى الادعاء أنهم فرنسيون، وبالتالي تغيير أسمائهم، خلال الحديث مع زبائن أجانب". يُتابع أن "العامل في هذه المراكز غالباً ما يخضع لشروط رب العمل. فهو مطالب بالاتصال بالزبائن الفرنسيين، بهدف عرض منتجات رديئة في مجملها عليهم، أو إقناعهم باقتناء سلعة ليسوا في حاجة إليها، من خلال اعتماد طرق ملتوية".

في المُقابل، ينفي المسؤول عن أحد مراكز النداء وسط العاصمة الرباط، بيار لوفين، هذه التهم. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "تحدث العامل بلغة فرنسية لا يعدّ تدليساً، على اعتبار أن غالبية الزبائن فرنسيون". من جهة أخرى، ينفي انتشار التحرّش في هذه المراكز، أو إصابة العاملين بالأمراض، مشيراً إلى أن "كثرة طلبات العمل التي ترد من المغربيات يومياً للحصول على وظائف في مراكز النداء هي خير دليل".

ويطالب كثير من المغاربة العاملين في مراكز الاتصال عن بعد بتحسين ظروف العمل في هذا المجال، وضرورة مراقبة الدولة لشروط العمل فيها، من خلال احترام حقوق العمال في الحصول على عطل، وتحديد ساعات العمل وفق القوانين المعمول بها في البلاد، علماً أنها تحقق أرباحاً كبيرة عاماً بعد عام.

تجدر الإشارة إلى أن مراكز النداء المنتشرة في المدن الكبرى في المغرب تحظى بتسهيلات من الدولة، على غرار سن قوانين تعفيها من الضرائب مدة عشر سنوات، بالإضافة إلى تحفيزات كثيرة تُشجّعها على شراء الأراضي وإقامة المراكز عليها.

إقرأ أيضاً: حالات الانتحار في سجون المغرب تثير الجدل