طفلة بشوشة

طفلة بشوشة

20 مايو 2015
هي تدركه لأنها ورثت عنه الكثير (عن الإنترنت)
+ الخط -

بغتة، يعود إليها ذلك الإطار الأصفر. كان على شكل كلمة "صغيرتي" باللغة الإنجليزية. فيه وَضعَت صورتها، تلك التي كان يحبّها، وأهدته إياه في يوم عيد ميلاده قبل سنوات طويلة. كانت تبلغ من العمر سنتَين عندما التُقطت صورتها تلك. تظهر فيها وهي تضحك بملء عينَيها. وتلمعان. الصورة بالأبيض والأسود، فيظهر بريقهما أكثر.

تبتسم وهي تتذكّر كم أحبّ هديّتها تلك، وقد علّقها فوق سريره. ما زال الإطار معلقاً هناك حتى اليوم، أما هو فرحل. تفتقده.. وتفتقد تلك الطفلة التي تضحك بملء عينَيها في ذلك الإطار الأصفر الذي لم تبهت ألوانه بعد، هناك في منزل العائلة.

بعدما اعتادت رفقة تلك الصغيرة البشوشة أبداً، أضحت تفتقدها في أحيان كثيرة. الطفلة راحت تتوه في يومياتها.. بين شؤون الراشدين وهمومهم وضغوط حياة لم تختر تفاصيلها بملء إرادتها. وتخشى أن تضيع منها، إلى الأبد. تخشى أن تضيع معها ضحكة لقّنتها إياها وشغف يفضحه بريق عينَين.

تخشى أن تكون قد أساءت معاملتها وسحقتها وتخلّت عنها وناكدتها، في لاوعيها. غالباً ما نسيء نحن إلى ذلك "الطفل الداخلي"، بحسب ما يؤكد علم النفس التحليلي. نسيء إليه فنخسر سحر الحياة وسرّها، ومتعة العلاقات وحميميّتها. الاعتراف بهذا الطفل والسماح له بالتعبير عن نفسه، هما اللذان يسمحان لنا - كراشدين - بالتحرّر.

"الطفل الداخلي"، مفهوم كان مؤسس علم النفس التحليلي السويسري كارل غوستاف يونغ أوّل من أطلقه في أربعينيات القرن الماضي، ليعود فينكبّ عليه في العقود الأخيرة هؤلاء الذين احترفوا الغوص في الذات البشريّة. ويولونه أهميّة كبرى.

عندما أهدته ذلك الإطار الأصفر مع صورتها التي كان يحبّها، لمعت عيناه وضحك. فتلك كانت من الهدايا التي تستهوي الطفل في داخله. هو لم يتخلَّ عن ذلك الصغير في يوم، ولم يخبُ البريق يوماً في عينيَه. ورحلا معاً.

عندما تذكره اليوم، يعود إليها طفله الداخلي. هي تدركه لأنها ورثت عنه الكثير.. قد تكون ورثت عنه خوفها على الطفلة في داخلها. هي ورثت ضحكته ووسواسه القهري وانفعالاته وشغفه بكل ما يأتي به. الشغف. ما أبهت العيش من دونه.

هو الشغف وليد حماسة أولى أحسّ بها ذلك الطفل الذي يسكننا، في زمن مضى. قد لا نشعر بها، إن لم نمنحه مجالاً للتعبير عن نفسه.. إن لم نمنحه فرصة للبوح عن إحساسه والإتيان بردود فعل. هذا دوره، كحالة من حالات "الأنا" الثلاث التي يقول بها عدد من هؤلاء الذين احترفوا الغوص في الذات البشريّة.

هي كلمة أحياناً أو موقف أو رائحة قد تعيد إلينا ذلك الطفل، فتعيد إحياء تلك الحماسة وذلك البريق الذي خبا في عيوننا. ونرتبك في أحيان كثيرة.

دلالات

المساهمون